بقلم/ إبراهيم عقيد بشار
يعتقد الكثير من شباب وشابات العصر الحالي أن مفهوم الحرية يعني أن تكون بصورة مطلقة ممثلة في الزي غير المحتشم للشابات.. وبالنسبة للشباب حلاقة الشعر بصورة غريبة ولبس البنطلون الضيق والتلفظ بالألفاظ غير الحميدة وعدم احترام كبار السن، هذه لا تعتبر حرية فنحن كمسلمين لدينا عقيدة ودين وسنة نبوية شريفة وكسودانيين لنا أعراف وتقاليد تتضمن توقير واحترام الكبار يجب مراعاتها.
ينبغي أن تتمثل قيم الحرية في إلتزام مكارم الأخلاق والتعامل بإحترام مع الآخر وحرياته في العقيدة والتعبير وصون حقوقه، عندما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما بعثتُ لأتمم مكارم الاخلاق ) لكن نلاحظ ان بعض الشباب غير مهتمين بالأخلاق الحميدة وأيضا بعيدين من الدين والسنة المحمدية .
علينا أن نتبع ما أنزل من القرآن الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، هناك كل شي بتفصيل. حرم علينا أشياء واحل لنا أيضا أشياء ولم يتركنا علي هوانا وأن نقوم بعمل كل شئ بعجبنا.
في هذا الزمن كثرت الأمراض وأيضا الموت المفاجئ، يجب ان نتذكر الموت وعذاب القبر ووحشة القبر. ولا نتبع شهوات الأنفس وتقليد الدول الغربية التي لا تمثلنا ولا تمثل عادتنا وتقاليدنا السمحة.
في هذا المقال اريد ان أوضح معنى الحرية :
فهي مبدأ من مبادئ الإسلام، ولا تقوم حياة الأفراد الدينية ولا الشخصية إلا به؛ فلا يُتصوّر أن يُكلّف الإنسان بتكاليف دينية أو حياتية وهو غير حرّ.
والقرآن الكريم حجة الله عز وجل البالغة، ورسالته الخاتمة، أنزله الله عز وجل هدًى ورحمة ونورًا، وعصمة وبيانًا وحكمةً، قال تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ …} (الإسراء: 9)، ومن بيان القرآن الكريم وهدايته للتي هي أقوم تصحيح المفاهيم الخاطئة، وإزالة ما قد يعلق في الأذهان أو يشوب العقول من شُبه وإشكال بدافع جهل أو هوى، أو تلبيس من قبل شياطين الإنس والجن، ومن ذلك الفهم الخاطئ للحرية، بما حاد بها عن مقاصدها السامية، وأطاح بها عن عرش القيم الإنسانية الرفيعة، وذروة سنام المثل العليا إلى حضيض الفوضى.
الحرية فطرة في النفس الإنسانية
خلق الله البشر في خلقةٍ تعينهم على أداء مهمتهم، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (الأحزاب: 72)، وهل يصح في العقل والشرع أن يكلف الله نفسًا ليست حرة! أو ليست سوية!؛ ولما أقسم الله تعالى بمكان نزول الوحي: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين: 1-4)، قال المفسرون: خلق الله الإنسان في أحسن صورة وأحسن هيئة، وأحسن إعداد من حيث العقل حتى يقوم بمهمة الخلافة في الأرض. فالذي يمنع الحرية معناه أنه يمنع تنفيذ مراد الله في الأرض، وكما يقول الإمام ابن تيمية: الحرية فطرة في النفس البشرية وُلدت مع خلافة الإنسان في الأرض.
منهج القرآن في بث الحرية في الأمة
نهج القرآن منهجًا في بث الحرية في نفوس الأمة، ولذلك جعل القرآن التوحيد هو الصورة المُثلى للتحرر، لما قالت امرأة عمران: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا …} (آل عمران: 35). أي خالصًا لربها، محررة من كل قيدٍ أو شركٍ أو حقٍ لأحد غير الله سبحانه وتعالى، والتعبير عن الخلوص المطلق بأنه «تحرير» معناه أن هذا العبد صار لله تعالى خالصًا.
وتبرز الحرية في موقف السحرة: {قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} (الأعراف: 125-126)، وهذا موقف حاسم في تاريخ البشرية، بإعلان ميلاد الحرية الحقيقة، فما الحرية إلا بالاستعلاء بالعقيدة على جبروت المتجبرين، وطغيان الطغاة، والاستهانة بالقوة المادية التي تملك أن تتسلط على الأجسام لكن ليس لها في القلوب أثر؛ لأن في القلوب الإيمان الذي لا يتزعزع ورسخ بفضل من الله.
أما في قوله تعالى: {وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} (هود: 59)، فيوضّح أن اتباع الجبارين جريمة تستحق العقاب في الدنيا والآخرة.
لقد خلق الله تعالى الناس ليكونوا أحرارًا، لا يدينون بالعبودية لأحد من خلقه، ولا يتنازلون عن حريتهم لطاغية ولا لرئيس ولا لزعيم، فهي مناط التكليف.
جعل الله عز وجل البلاغ والهداية لا الإجبار على الإيمان: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام: 106)، هذه هي خلاصة الدعوة، فلم يُرسل الله رسولًا مسلطًا ولا قاهرًا على قومه من أجل أن يؤمنوا؛ فالناس لديهم من العقل ما يؤهلهم لاختيار ما يؤمنون به. فمن مقاصد الإسلام بيان أنه دين الفطرة السليمة، والعقل والحجة والبرهان والفكر والعلم والحكمة، والضمير والوجدان والحرية، والاستقلال.
وأقرّ الله عز وجل الحرية الشخصية في الدين بمنع الإكراه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس: 99).
وقد سعى الإسلام في تحرير الرقاب؛ قال تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ …} (البقرة: 177)، ومعنى وفي الرقاب: أي في تحريرها.
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ …} (النساء: 92)، فالإسلام حريص على جعل الناس أحرارًا، ولما بُعث النبيّ كانت العبودية متفشية في البشر، والأسر في الحروب، والتخطف في الغارات، وبيع الآباء والأمهات أبنائهم، وغير ذلك. ولذلك فرض الله عز وجل ونبّه على أمر هام، وهو أن الحرية حياة وأن العبودية موت، فمن تسبب في موت نفسٍ حية كان عليه السعي في إحياء نفسٍ ميتة وهي الواقعة في أسر العبودية.
جعل الله للعبيد حقًا في الاكتتاب لتحرير أنفسهم من الرق: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا …} (النور: 33).
حث الإسلام على تخليص الأسرى من الأسر: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ} (البلد: 12-13)، فالفكُّ هو أخذ الشيء من يدٍ قد احتازتها أو تسلمتها أو سيطرت عليها، والرقبة يقصد بها الإنسان، فهذه الآية كما يقول العلماء: أصل من أصول التشريع الإسلاميّ، وهو تشوف الشارع إلى الحرية.
جعل الله عز وجل من مقاصد القتال إقرار مبدأ الحرية: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ …} (الأنفال: 39)، والفتنة هي اضطهاد الناس لأجل أن يتركوا دينهم، وقد كانت قريش تفعل ذلك، فأقرّ الله تعالى مبدأ القتال لأجل الحرية.
ضوابط الحرية
يقول الشيخ محمد عبده: ليست سعادة الإنسان في حرية البهائم، بل في الحرية التي تكون في دائرة الشرع ومحيطه.
ومن ضوابط القرآن الكريم في الحرية:
• ألا تتعارض مع العقيدة؛ فمن حق الإنسان أن يفكر ويعبر لكن دون التعرض للدين، فالحرية لا تعني الإغراق في الأوهام والخيالات أو الطعن في الدين، ولذلك قال الله عز وجل: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ …} (التوبة: 64-66)، فالحرية تقتضي المسؤولية والانضباط في القول والفعل، وإلا استحال الأمر إلى فوضى وعبث.
• ألا تتعارض الحرية مع أصول الأحكام؛ فقد منح الإسلامُ الفردَ حرية الكلمة والاعتقاد والتصرف والانتقال والمعاملات ما لم تخالف الشريعة، فإذا خالفت صارت مروقًا وانحرافًا لا حرية؛ فالتبرج ليس حرية لأنه يصطدم مع الشرع وقيم المجتمع المسلم، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (الأحزاب: 36).
• ألا تتعارض مع المصالح العامة؛ حيث تؤدي إلى تفكك المجتمع، قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} (المؤمنون: 71).
• ألا تنتهك حقوق الآخرين وحرماتهم.
مجالات الحرية:
للحرية مجالات كثيرة، منها:
1. حرية العقيدة؛ فمهمة الرسل هي البلاغ والهداية، وليس إجبار الناس على الاعتقاد أو الإيمان
2. حرية الرأي؛ ولها ضوابط:
• ضوابط متعلقة باللفظ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا …} (البقرة: 104)؛ وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ} (البقرة: 154).
• ضوابط متعلقة بالمضمون: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 33)، وقوله تعالى: {… وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا …} (البقرة: 83)، وقوله للنبي ﷺ تلقينًا: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} (الإسراء: 53).
• ضوابط متعلقة بالهدف والأسلوب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (الأحزاب: 70)، أي قولًا مستقيمًا لا اعوجاج فيه ولا انحراف.
• ضوابط متعلقة بالتثبت من المصدر: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء: 83)، قال ابن كثير: إنما الإنكار على من يبادر إلى الأمور قبل التحقق منها.
• حرية التصرف والتنقل؛ قال عز وجل: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} (النساء: 5)، فمنح الإسلام الإنسان حرية التصرف في الأموال والأملاك، فلا يُحجر عليه إلا حماية له لعجزه عن التصرف.
Discussion about this post