
أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. إدارة التنافس الدولي على الموارد السودانية
من سلسلة الجسر والمورد
في كل مرة نحدق في خريطة السودان، لا نرى حدودًا مرسومة بالمسطرة فقط، بل نرى لوحة من الفرص والتحديات المترامية. هذه الأرض التي وهبها الله النيل والأراضي الزراعية الخصبة، والذهب واليورانيوم، والنفط والمراعي، ليست مجرد مساحة جغرافية، بل عقدة جيوسياسية ومورد استراتيجي يجعلها مطمعًا لأطراف العالم كافة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه:
هل نحن أصحاب قرار في إدارة هذا المورد، أم أننا مجرد شهود صامتون على صفقة دولية طويلة الأمد؟
🔹 السودان… جغرافيا تصنع السياسة
منذ فجر الاستعمار، لم يكن السودان يومًا بعيدًا عن أطماع القوى الكبرى. البريطانيون أرادوا القطن والهيمنة على النيل، والفرنسيون كانوا يحلمون بالوصول إلى البحر الأحمر. واليوم، تتكرر الصورة لكن بأدوات جديدة:
●الولايات المتحدة لا ترى في السودان سوى بوابة للتحكم في البحر الأحمر وخطوط الإمداد العالمية.
●الصين تنظر إليه كحلقة ذهبية في مبادرة “الحزام والطريق”، ومخزنًا للموارد الحيوية.
●روسيا تبحث عن قاعدة بحرية على الساحل السوداني تعيد لها هيبتها البحرية المفقودة.
●الخليج يستثمر في الأرض والمياه ليضمن أمنه الغذائي.
●أوروبا تسعى إلى استقرار السودان حتى لا يتحول إلى مصدر للهجرة والاضطراب.
●كل قوة تأتي محمّلة بمشروعها، وأحيانًا بأطماعها، لتجد السودان في القلب من معادلة دولية أكبر منه حجمًا… لكنه ليس أصغر من أن يُديرها بذكاء إن أراد.
🔹 المورد بين البركة واللعنة
الموارد ليست محايدة. الذهب مثلًا يمكن أن يكون “مورد سيادة” أو “مورد لعنة”.
●حين يُدار بشفافية، يصبح دعامة للاقتصاد الوطني، يمول المدارس والمستشفيات ويصنع فرص العمل.
●وحين يُدار بالفوضى، يتحول إلى وقود للنزاعات المسلحة ومصدر لتمويل الحروب بالوكالة.
●النفط كذلك: كان يمكن أن يكون رافعة للنهضة السودانية، لكنه انقلب في لحظة إلى عامل تفتيت وفصل للجنوب.
●أما الأرض الزراعية الشاسعة، فهي مورد يمكن أن يجعل السودان “سلة غذاء العالم”، لكنها في لحظة غياب الإرادة قد تُباع أو تُؤجَّر بلا عائد حقيقي للشعب.
إذن، المورد ليس بركة ولا لعنة في ذاته، بل هو مرآة لوعي الأمة وكيفية إدارتها له.
🔹 معضلة الإدارة الوطنية
ما يجعل التنافس الدولي في السودان معقدًا ليس حجم الأطماع الخارجية فحسب، بل ضعف الإدارة الوطنية.
●غياب الرؤية الإستراتيجية يحوّل التنافس إلى ابتزاز.
●غياب الشفافية يفتح باب الفساد والتهريب.
●غياب الوحدة الوطنية يجعل القوى الخارجية تجد أكثر من “وكيل” داخلي يتحدث باسمها.
إن السودان لا يعاني من نقص في الموارد، بل من نقص في الإدارة الذكية لهذه الموارد.
🔹 منطق الجسر والمورد
الحل ليس في الانغلاق على الذات، ولا في الارتماء في حضن قوة واحدة، بل في تبني منطق الجسر والمورد:
■الجسر: أن يكون السودان صلة وصل بين القوى الدولية، يستفيد من الجميع دون أن يخضع لأحد.
■المورد: أن تتحول موارده إلى مصدر تنمية حقيقية، لا مجرد سلعة تُباع في الأسواق العالمية.
وهذا المنطق لا يتحقق إلا عبر:
١. تنويع الشراكات: لا نعتمد على الصين وحدها أو الخليج وحده أو روسيا وحدها.
٢. حوكمة الموارد: الذهب والنفط والأرض تُدار بقوانين شفافة ومؤسسات قوية.
٣. الدبلوماسية الاقتصادية: أن تكون السياسة الخارجية أداة لخدمة الاقتصاد، لا العكس.
٤. إعادة تعريف الأمن القومي: ليشمل الموارد بوصفها أساس البقاء، لا مجرد البنادق.
🔹 السودان من ساحة تنافس إلى صانع توازن
اليوم، لا خيار أمام السودان إلا أن ينتقل من كونه ساحة تنافس إلى كونه صانع توازن.
●بدل أن تتصارع القوى الكبرى على موارده، يمكن أن يُصاغ مشروع تنموي وطني يجعل الجميع شركاء لا أوصياء.
●بدل أن تتحكم الشركات متعددة الجنسيات في الذهب، يمكن أن تُبنى شركات وطنية شريكة تستفيد من التكنولوجيا والخبرة.
●بدل أن يكون البحر الأحمر ثغرة ضعف، يمكن أن يصبح بوابة قوة ونفوذ إقليمي.
أصل القضية،،،
إن إدارة التنافس الدولي على الموارد السودانية ليست مسألة اقتصادية محضة، بل هي مسألة هوية وكرامة.
فإما أن يكون السودان سيد قراره، يوظف موارده ليبني دولته ويُعزز مكانته، أو يظل رهينة لصراعات الآخرين، يكتب على نفسه أن يكون “موردًا بلا سيادة”.
> “المورد إن لم يكن جسرك إلى المستقبل… صار قيدك في الحاضر.”