رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. الخروج عن النص الدولي: نجاة الخرطوم بدون إذن!

– باحث بمركز الخبراء العرب

✍🏽 من سلسلة الجسر والمورد

من أدان من؟ والوساطة… هربت أم يئست؟!

> “الخرطوم نجت.

نجَت، ولكن ليس من تحت الأنقاض… بل من فوق ركام الوصاية الدولية.

نجت، لا ببيان أممي، ولا بتسوية فندقية، بل بنبضٍ ظل يصرخ: السودان لا يُقسم ولا يُدار كملف.”

الاتحاد الإفريقي… حين يُدين بعد طول صمت

كمن استيقظ فجأةً من سباتٍ سياسيٍّ طويل، خرج مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي ببيان “هزّاز” في مضمونه، “محرج” في توقيته، أدان فيه إعلان “تحالف تأسيس” المدعوم من قوات الدعم السريع تشكيل حكومة موازية.

البيان بدا وكأنه يريد أن يُثبت للعالم أنه ما زال على قيد الفعل، رغم أن الخراب وقع منذ شهور، والتمزيق انطلق منذ أول رصاصة طالت الدولة لا النظام. لكنه اليوم فقط قرر أن يرفض… لماذا؟!

ربما لأن الخرطوم لم تسقط كما أُريد لها، بل قاومت ونجَت وبدأت تتنفس وحدها… فارتبك النص الدولي، واهتزّ المخرج خلف الكواليس.

وهنا المفارقة:

> “لم يُصدر البيان حين سقطت مدن بأكملها، بل حين وقفت الخرطوم على قدميها!”

الرباعية… الصمت حين تبدأ الحقيقة بالظهور

وقبل أن يجف حبر البيان الإفريقي، جاءت واشنطن بخطوة أكثر إرباكًا: إلغاء اجتماع الرباعية الدولية حول السودان إلى أجل غير مسمى، وبدون أي تفسير!

سُحبت الكراسي، أُطفئت الميكروفونات، وغادر الوسطاء المسرح دون أن يعلنوا حتى نهاية الفصل الأول.

●فهل هذا مجرد “تأجيل تقني”؟

أم أن الرباعية أدركت أن السيناريو الحقيقي يكتب الآن في الميدان، لا في قاعات الوساطة؟

●هل انسحبت لأنها فقدت السيطرة؟ أم لأنها لم تعد تملك حتى غطاء الحضور الشكلي؟

●في الحقيقة، لم يهرب الوسطاء… بل فوجئوا بأن السودان بدأ يقول كلمته وحده، بدون مترجم!

الإمارات… من أداة جيواستراتيجية إلى عبء دبلوماسي:

في ركنٍ آخر من هذه اللوحة الغارقة في الرماد، تقف الإمارات، تتلفّت خلفها، تبحث عن كتف دوليٍّ تتكئ عليه… فلا تجد.

لقد ظنت يومًا أنها “تدير الملف”، فإذا بها أداة في يد من يعيدون توزيع الخرائط حسب مزاج السوق والسياسة. والآن، تكتشف أن اللعبة أكبر منها… وأنها أول من يُستبدل حين تتغير قواعد اللعب.

رؤية “الجسر والمورد” لا ترى الإمارات كخصم سياسي، بل كأداة استُهلكت حتى نخاعها… ثم تُركت تُواجه سخطًا داخليًا، وفتورًا دوليًا، ونفورًا سودانيًا عارمًا.

■السيناريوهات أمامها محدودة:

● إما الهروب للأمام في محاولة يائسة لإنقاذ أوراق محترقة.

● أو الانسحاب التكتيكي في صمت حفاظًا على ماء الوجه.

●أو أن تُقدَّم قربانًا لإرضاء الحلفاء الجدد في مرحلة إعادة التوازنات.

لكن المؤكد أن الزمن لن ينتظر دورًا وظيفيًا انتهى عمره الافتراضي.

وماذا عن السودان؟ ماذا عن الدبلوماسية؟

كل هذا الانكشاف الدولي فرصة لا تُفوَّت.

حين تخرج “الرباعية” من اللعبة، لا تبحث الخرطوم عن وساطة بديلة… بل تملأ هي موقع القيادة.

الدبلوماسية السودانية مطالَبة بأن:

●تتحدث بثقة المُنتصر لا برجاء الضحية.

●تعيد تعريف “الشرعية” على أسس الميدان لا مكاتب السفراء.

●تطالب علنًا بكشف من سلّح وموّل التمرد، لا أن تستجدي الإدانات.

●تبني تحالفات على مبدأ “من لا يخاف وحدة السودان، أهلاً به… ومن يتوجس منها، فليبقَ خارجاً”.

رؤية “الجسر والمورد” ترى أن اللحظة الآن لحظة قلب الطاولة، لا ترتيب الصحون فوقها.

أصل القضية،،،

> الوساطة انسحبت لأن السودان خرج عن النص… النص الذي كتبه غيره، وأرادوه أن يُمثّل فيه دور “المنكسر الممتن”.

لكن الخرطوم قالت:

“لن نموت صامتين… نحن وطن لا يُعاد تشكيله إلا من داخله.”

الآن، العالم مذعور لا من الحرب، بل من فكرة أن بلدًا كالسودان، الجريح، المتعب، المفخخ… قد قرر أن يعيش بسيادته لا بوصاية أحد.

فالسودان اليوم، حكومةً وشعبًا، يقف على أعتاب لحظة استثنائية في التاريخ…

لحظة لم يصنعها التفاوض، ولا وقّعتها المؤتمرات، بل نزفتها القلوب، ودفعتها الدماء، وكتبتها الإرادة في أزقّة المدن المحترقة، وطرقات النزوح، وعلى جدران الصمود من الفاشر حتى ود شلعي.

لكن السؤال الباقي:

هل سيُسمح لهذا الوطن أن يتذوّق نشوة النجاة؟

أم أنّ العالم الجديد، وهو يُعاد تشكُّله على وقع الحروب والتحالفات، سيفرض عليه أثمانًا أخرى؟

هل نكتفي بلحظة عبور تاريخية، أم نحسن توظيفها لإعادة تشكيل دورنا وموقعنا في الإقليم والعالم؟

وهل نستطيع، وسط ركام الصراعات الدولية، أن نُمسك زمام المبادرة ونبني مشروعًا سودانيًا صلبًا، يُلهم الداخل ويحجز مكانه في توازنات الخارج؟

إنها لحظة اختبار…

إما أن نكون كما أراد لنا التاريخ أن نكون…

وإما أن نضيع فرصة كتبتها لنا السماء بمداد الكرامة والدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى