رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. الرباعية… ماذا كانت تريد منا ؟

| من سلسلة الجسر والمورد

هناك جُمل لا تُقال عبثًا…

وهناك رسائل لا تُرسل للترف الفكري… بل لِتُزرَع في العقول زرعًا.

ومنذ أن بدأت الرباعية — بوجوهها الناعمة وخطابها المنمّق — تتعامل مع السودان كملفٍ قابل للقولبة، برز سؤال ظلّ يتردّد في دهاليز التحليل:

ماذا كان يريد مسعد بولس من السودان؟

لم يخرج الرجل عن إطار “الدبلوماسية الصديقة” الظاهر…

لكن خلف تلك الابتسامات، كانت هناك محاولة مكتملة الأركان لإعادة تشكيل وعي نخبة كاملة، عبر أدوات ناعمة تتقاطع بصورة مريبة مع ما وصفه دومينيك ستريتفيلد في كتابه “غسيل الأدمغة”.

ليس مطلوبًا أن نتهم أحدًا…

لكن المطلوب — بل الواجب — أن نفهم ما الذي يجري خارج الصورة.

أولًا: حين تتحول الدبلوماسية إلى هندسة وعي

تُعرِّف أدبيات الحرب الباردة “غسيل الأدمغة” بأنه سلسلة من التأثيرات الدقيقة التي لا تُلاحظ إلا بعد أن تُثمر نتائجها.

وللأسف… هذا بالضبط ما حدث عندنا:

مع كل زيارة، وكل حوار، وكل مبادرة “حريصة على السودان”، كانت تُحاك شبكة ناعمة لتغيير زاوية رؤية النخب، لا اتجاه السياسات فقط.

مسعد بولس لم يكن زائرًا عابرًا…

كان حاملًا لـ”عقلٍ استراتيجي” يرى السودان:

●بلد يحتاج إعادة توجيه

●مجتمعًا قابلًا للاستمالة

●نخبًا مُنهَكة يسهل إعادة هندستها

وهنا تتقاطع القصة مع مقال الأمس:

#أصل_القضية | تدمير النخب… التحشيد وإجهاض العقول

فأخطر ما واجهه السودان لم يكن سلاحًا ماديًا…

بل سلاح إعادة تعريف الحقائق.

■ ثانيًا: الرباعية… وهدف لم يُقَل بصراحة

ليس سرًا أن لغة المصالح هي الحاكم الأول في هذا العالم.

والمصالح — كما تقول رؤية الجسر والمورد — لا تأتي فرادى… بل تأتي محمولة على:

●نفوذ

●معابر

●معادلات إقليمية

●ترتيبات ما قبل وما بعد

ومشاريع تُرسم على الورق قبل أن تُرسم على الأرض

والسؤال الذي يجب أن نطرحه بجرأة:

هل كانت الرباعية تريد فقط “حل الأزمة السودانية”؟ أم إعادة بناء السودان بما يخدم خرائطها المستقبلية؟

ستريتفيلد في كتابه يقول:

> “غسيل الأدمغة ليس إلغاءً للعقل… بل دفعه ليرى العالم من نافذة واحدة.”

وهنا مربط الفرس:

كان المطلوب أن يرى السودان نفسه من نافذة غير نافذته…

وأن يتعامل مع أمنه القومي من مفاهيم ليست مفاهيمه…

وأن تصبح بوصلته الفكرية مستوردة لا وطنية.

ثالثًا: لماذا السودان هدف مفضل؟

لأن السودان — وفق رؤية الجسر والمورد — ممرٌّ استراتيجي لا يمكن تجاوزه:

●موارد

●جغرافيا

●مجرى نيل

●ساحل

●عمق أفريقي

●بوابة عربية

●وثقل بشري لم يُستثمر بعد

والقاعدة الذهبية في العلاقات الدولية تقول:

> “إذا لم تستطع السيطرة على الجغرافيا… سيطر على العقول التي تدير الجغرافيا.”

ومن هنا تبدأ قصة محاولة غسل الأدمغة.

ليس لأن السودان ضعيف…

بل لأنه قوي، وأي قوة لا تُضبط تصبح مصدر إزعاج لأي مشروع خارجي.

رابعًا: كيف يرتبط هذا بتدمير النخب؟

عملية تدمير النخب ليست فوضى محلية…

بل مدخل ضروري لأي قوة تريد بلدًا بلا مرجعيات.

لذلك رأينا:

●تشويه صورة الخبير

●إحلال “المؤثر” محل “المفكر”

●خلق طبقة صوتية تقتل النقاش

●تحويل السياسة إلى مزاج… لا معرفة

●نشر ثقافة الرأي الانفعالي بدل التراكم العلمي

تمامًا كما يحلل فوكو وتشومسكي…

من يبحث عن العدالة يقابله من يعيد هندسة عقله.

وهذا ما جعل المجتمع السوداني مهيأً لمحاولات “إعادة تشكيل الرؤية” القادمة من الخارج.

خامسًا: ما العمل؟ وما الطريق للخروج؟

رؤية الجسر والمورد ليست نظرية ورقية…

بل خريطة خلاص وطني تبدأ من:

١) إعادة بناء النخب الحقيقية

وليس النخب التلفزيونية.

●نخب تعتمد على المعرفة لا على الصدى.

●نخب تعرف البلد من داخله… لا من تقارير الخارج.

٢) استعادة الوعي الوطني من الاختراق

ليس عبر الشعارات…

بل عبر:

●منصات معرفة وطنية

●حماية الوعي من “الاستلاب الفكري”

●حملات تعريف مفهوم الخبير

●تفكيك التضليل

إنتاج معرفة سودانية لا تُستنسخ من الآخرين

٣) تبنّي الدولة لرؤية الجسر والمورد ٢٠٥٠م

ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية.

فالرؤية تمتلك:

إطارًا للعقل السوداني

هندسة جديدة للموارد

مشروعًا متكاملًا للدولة

قراءة للمصالح الحقيقية للسودان

ومخرجًا من فوضى الدول المتداخلة

إن ما أرادته الرباعية — عبر نُعم الكلام وخشونة المصالح — لم يكن واضحًا للعيان…

لكن الوعي السوداني اليوم يجب أن يكون أشدّ حدة من أي وقت مضى.

ومسعد بولس لم يكن سوى حلقة في سلسلة طويلة من محاولات “إعادة رسم السودان من الخارج”.

لكن السودان — الذي لم تنكسر جيشه ولا شعبه — لا يليق به أن يُدار من خلف الستار…

ولا أن تتشكل نُخبه بأصابع غير سودانية.

#أصل_القضية… هو الجسر والمورد

هو عودة الوعي إلى مكانه، وعودة السودان إلى مركزه الطبيعي…

وأن يبقى هذا البلد أكبر من أي محاولة للقولبة، وأقوى من كل مشاريع غسل الأدمغة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى