رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. السودان .. المعنى الذي ينتظره السوداني

| من سلسلة الجسر والمورد

في الأيام الماضية ظلّ يرافقني سؤالان لا ينفصلان، واحدٌ منهما أعلنته صراحة… والآخر اختبأ خلف السطور كأنه يخشى الخروج:

●من سيبكي السودان… إن لم يبكه السودانيون؟

●وما الذي سيجعل السوداني يبكي أصلًا… إن كان قد فقد معنى البكاء؟

تلك الأسئلة التي خربت سكوني وأنا أطالع كتاب «وحدنا معًا» لشيري تيركل… الكتاب الذي يفضح الوهم الكبير:

نظن أننا قريبون بفضل التكنولوجيا… لكننا في الحقيقة أبعد ما نكون.

شاشاتٌ بديلةٌ عن وجوه، وغرفٌ من الضوء تحلّ محل مجالس الناس، و”إرسال” بات بديلاً عن العناق.

ثم تذكرت فيكتور فرانكل في كتابه «الإنسان يبحث عن معنى» ليذكّرنا أن الإنسان لا يطلب رفاهًا… بل سببًا يعيش لأجله.

أن الإنسان حين يفقد “المعنى”… يمكن أن يُساق بسهولة، يُخدع بسهولة، ويُكسر بنعومة.

وهنا، أدركت الحقيقة التي لطالما تجنّب المجتمع مواجهتها:

> السوداني لا يحتاج لمن يبكيه… بل يحتاج لمن يفهمه.

لا يحتاج لمن يتحدث باسمه… بل يحتاج لمن يمنحه معنى.

لا يحتاج مؤتمرات صاخبة… بل سردية تُلهمه .

■ التكنولوجيا التي كشفت هشاشتنا… لا التي صنعتها

هشاشة صنعت جيل يتخفى خلف االشاشة ويخاف من الصمت. يهدد ويتوعد خلف ” لوحة المفاتيح”

جيل ينقسم داخل غرفة واحدة،

داخل ” قروب” واحد …

جيل يرى العالم من خلال شقوق هاتفه.

ألم يعش السودان هذا المشهد؟

– رأيٌ او تعليق في منشور يتحول إلى مناكفة وتصنيف دون مناقشة او توضيح موقف.

– أحياء تتجاور في الخرائط… لكنها تتباعد في الوعي.

– غضبٌ يشتعل في “التايملاين” وينطفئ في دقائق.

– إحساسٌ عام بأننا نربح صراعات كلامية… بينما نخسر وطنًا كاملًا.

التكنولوجيا لم تُهزمنا…

الفراغ الداخلي فعل.

ذلك الفراغ الذي ينتج إنسان بلا معنى… ليصبح أداة في يد من يفهمه..

أكثر مما يفهم نفسه.

وهذا ما سقط فيه السودان:

معركة الوعي قبل معركة الرصاص، وهزيمة الداخل قبل اقتحام الخارج.

■ بين دموع القائد… وجفاف الدولة

حين وقف الفريق أول عبدالفتاح البرهان وسط الجموع وبكى…

لم تكن تلك دموع سياسة، ولا دموع كاميرا…

كانت دموع رجل يرى حجم الجرح، وثقل السقوط، وخطورة الفراغ الوطني.

كانت دموعًا تقول:

لا تتركوا السردية الوطنية تسقط… لأنها آخر حصون الدولة.

وفي المقابل، تظهر حكومة بلا دموع… بلا إحساس… بلا نبض.

حكومة تشاهد الواقع من خلف زجاجٍ محكم، كما لو أنها تدير “دولة افتراضية” لا علاقة لها بالناس.

■ السودان يبحث عن “لماذا”… قبل أن يسأل “كيف”

إن امتلك الإنسان “لماذا”، تحمّل أي “كيف”.

والسودان اليوم يبحث عن لماذا، عن سبب واحد يجمعه:

– لماذا نقاتل؟

– لماذا نصمد؟

– لماذا لا نبيع بيوتنا لمن يخنق الخرطوم؟

– لماذا لا نمنع الاستثمار في حوجة الناس؟

– لماذا نتمسك بلجان أحياء تعرف نبض الناس، لا لجانًا معينة ؟

لأن السودان ليس مشروعًا فوقيًا…

السودان يُبنى من الناس لا من النشرات الرسمية.

■ وحدنا… رغم أننا معًا

“يمكن أن نجلس في غرفة واحدة… بينما تفصل بيننا قارات داخلية نتيجة توهمات الأنا واستلاب الداخل”

وهذا هو السودان اليوم:

– وطن واحد بلا قصة واحدة.

– بشر متقاربون بالجسد… ومبتعدون بالوعي.

– مجتمع يتشارك الذكريات… وينفصل في المستقبل.

الحرب تتمدد… لأننا لم نكتب قصتنا بعد.

النزوح يتضاعف… لأننا لم نحدد إلى أين نسير.

■ الجسر والمورد… إعادة الإنسان إلى مركز الحكاية

رؤية “الجسر والمورد” ليست مشروعًا نظريًا…

إنها من القاعدة من الواقع..

إنها محاولة لاستعادة إنسان السودان قبل أي شيء:

١) بناء سردية وطنية جديدة

سردية تُكتب في المخيمات قبل القصور.

في الأسواق قبل الوزارات.

في أصوات النساء الواقفات في الصف… قبل بيانات المؤتمرات.

٢) تحرير الوعي من الاستلاب الداخلي

لا نريد سودانيًا مصنوعًا في معامل الدعاية الخارجية.

نريد سودانيًا يعرف أنه ابن كوش ومروي… لا تابعًا لخطاب مستورد.

٣) مشروع دولة يجيب على سؤال: إلى أين؟

مشروع لا يحدد الطريق… بل يعيد الإنسان إلى مركز الدولة.

■ لا أحد سيبكي السودان إن لم نبكه نحن

هذه ليست عاطفة… بل حقيقة تاريخية:

العالم لا يمنحك معنى.

العالم لا يحزن عليك.

العالم يحسب… ويقيس… ويراقب.

نحن وحدنا من يملك الحق والواجب أن يقول:

لن نترك السودان يسقط… لأننا قررنا أن نصحو.

ولن نسمح للمعنى أن يغيب… لأن غياب المعنى هو سقوط الدولة قبل سقوط المدن.

■ #أصل_القضية.. السؤال الأخير

هل سنظل وحدنا… رغم أننا معًا؟

أم سنجد المعنى الذي يجعلنا نقف على جسر واحد…

ونسير نحو مورد واحد…

ونكتب أخيرًا قصتنا المشتركة؟

السودان لا ينتظر العالم…

السودان ينتظرنا نحن.

وسيظل ينتظر… حتى نصحو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى