رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر… السودان بين لعبة الرباعية ونداء الهدنة…

| من سلسلة الجسر والمورد

“في لحظة الضعف تُرسم خرائط النفوذ، وفي ساعة الغفلة يُعاد تعريف السيادة.”

البيان الأخير للرباعية (أمريكا، مصر، السعودية، الإمارات) الصادر في ١٣ سبتمبر ٢٠٢٥م ، لم يكن مجرد حديث عن وقف إطلاق نار أو تسهيل الممرات الإنسانية، بل جاء كخطوة سياسية محكمة تسعى إلى إعادة صياغة مستقبل السودان وفق معادلة خارجية. فالنص مليء بالوعود الإنسانية، لكنه محاط بجداول زمنية وانتقال مرسوم يضع السودان على عتبة التحول إلى دولة وظيفية: أداة لإدارة الأمن الإقليمي والبحر الأحمر بدل أن يكون لاعبًا مستقلًا في مصيره.

١. لعبة الاستعمار بأدوات جديدة

محمد حسنين هيكل لخصها قديمًا في الاستعمار لعبته الملك: الاستعمار لا يأتي بالجنود فقط، بل بالأزمات التي تُفتح بها الأبواب. هذا ما يتكرر اليوم؛ حرب السودان ليست مجرد نزاع داخلي، بل بوابة لإعادة رسم موقعه في الخريطة. تحت لافتة “عملية انتقالية شاملة”، يتحرك الخارج لرسم خطوط اللعبة، بينما الداخل يكتفي بالركض خلف التفاصيل.

٢. الهدنة لثلاثة أشهر… توقيت مريب

الدعوة إلى هدنة إنسانية تبدو للوهلة الأولى مبادرة رحيمة، لكن في توقيتها دلالات ثقيلة:

•الجيش على مشارف دارفور، ما يجعل الهدنة أداة لوقف زحفه قبل الحسم.

•الدعم السريع يحتاج إلى استراحة لإعادة التموضع وإطالة أمد المعركة.

•المجتمع الدولي يسعى لتجميد المشهد بانتظار ترتيبات انتقال تُدار من الخارج.

٣. خيارات التعامل مع الهدنة

•قبولها المشروط: يرضي الخارج لكنه يبدد زخم التقدم العسكري.

•رفضها المباشر: يحافظ على مسار الحسم لكنه يستجلب اتهامات بعرقلة السلام.

•المراوغة الذكية: قبول شكلي مع استثمار “المناطق الرمادية” لمواصلة التقدم، وهو خيار صعب لكنه يمنح مساحة للمناورة.

٤. التحدي الحقيقي

القضية ليست في نصوص البيان، بل في ما تخفيه: تحويل السودان إلى منصة لوظائف إقليمية – من حماية البحر الأحمر، إلى مكافحة الإرهاب، إلى ضبط الممرات الإنسانية. كل ذلك يُقدَّم كحزمة “استقرار”، بينما جوهره هو إعادة تعريف السودان من الداخل إلى مجرد وظيفة إقليمية.

٥. السيناريوهات والتنبؤات المستقبلية

هنا بوصلة المشهد وفق رؤية الجسر والمورد:

●قصير المدى (٣–٦ أشهر):

•إذا قُبلت الهدنة، سيستعيد الدعم السريع أنفاسه ويتجمد التقدم العسكري.

•إذا رُفضت، سيسرّع الجيش عملياته لحسم ملف دارفور، لكن تحت ضغط دولي متصاعد.

●متوسط المدى (٦–١٢ شهرا):

في حال انطلاق انتقال سياسي مرسوم من الخارج، سيتراجع القرار الوطني لصالح “إدارة مشتركة” دولية–إقليمية.

أما إذا تم الحسم عسكريًا، فسيواجه السودان عزلة وضغوطًا اقتصادية، لكنه يفرض انتقالًا بمرجعية داخلية.

●طويل المدى (عام فأكثر):

مستقبل السودان يتوقف على الإجابة عن سؤال واحد: هل يكون جسرًا للتكامل المستدام يقود مبادراته من الداخل؟ أم مواردًا وظيفية تتحكم فيها أجندات الآخرين؟

أصل القضية،،،

بيان الرباعية ليس مجرد نص دبلوماسي، بل خريطة طريق لإعادة توجيه السودان. أمام متخذ القرار اليوم خياران: أن يقرأ السطور فقط، فيُستدرج إلى لعبة “الدولة الوظيفية”، أو أن يقرأ ما بينها، فيرسم للسودان طريقه المستقل كجسر ومورد في قلب القارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى