
أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. الفاشر… حين احتضن الوطن موردَه الإنساني
| من سلسلة الجسر والمورد
> “ليست الفاشر هي التي احترقت، بل صورة الدولة القديمة… ومن تحت الرماد بدأت تتشكل دولة المورد والإنسان.”
لم تكن صورة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وهو يضمّ امرأة ناجية من محرقة الفاشر مجرد لحظة إنسانية عابرة؛
كانت تجسيدًا استراتيجيًا عميقًا لفلسفة “الجسر والمورد” في ميدانها الواقعي — أن تمتد يد الدولة لا لتُمسك بالسلاح، بل لتستعيد المورد الإنساني من بين الركام.
فالحرب – في جوهرها – ليست معركة جغرافيا أو سلطة، بل معركة إدارة الموارد في لحظة الانهيار.
ومن بين كل الموارد، يظل الإنسان هو المورد الأول والأبقى.
ولهذا، كان احتضان تلك المرأة بمثابة استرداد رمزي لموردٍ وطني ظلّ يُهدر لعقود تحت رايات السياسة والصراع.
من المشهد إلى الفكرة
في منظور “الجسر والمورد”، ليست الصورة حدثًا عاطفيًا، بل رسالة سيادية:
أن الدولة ما زالت قادرة على أداء دورها الطبيعي كـ”جسرٍ بين الألم والمورد”،
وأن إعادة بناء السودان لا تبدأ بالإعمار المادي، بل بإعادة تعريف القيمة الإنسانية كموردٍ استراتيجي يوازي النفط والذهب.
فالفاشر اليوم ليست مجرد مدينة منكوبة، بل مختبر وطني لاختبار جدوى فكرة السودان الجديد:
هل يستطيع أن يتحوّل من دولةٍ تُستنزف مواردها إلى دولةٍ تُدير مواردها — بدءًا من المورد البشري؟
المورد الإنساني… جوهر الوعي السيادي
تعلّمنا “الجسر والمورد” أن القوة الوطنية لا تُقاس بكمية السلاح، بل بقدرة الدولة على إعادة تدوير الألم إلى طاقة إنتاج.
وهذا ما صنعه مشهد الفاشر:
حين تُدار الكارثة بعقلٍ استراتيجي، تتحوّل “الناجية” من رمزٍ للوجع إلى نقطة انطلاق لمشروع الوعي السيادي.
فـ”المورد الإنساني” لا يُختزل في الكفاءات أو العمالة، بل يمتد إلى كل من بقي على قيد الإرادة.
وفي فلسفة الجسر والمورد، الإرادة موردٌ سيادي خام يمكن صقله وتوجيهه نحو الإنتاج والتكامل.
من “السوسيو” إلى “ وقت حوبتك جا”
حين ابتكر الفنلنديون مصطلح “السوسيو” لقياس اللحمة الوطنية، كانوا ينظرون إلى المجتمع كمحرّك استقرار.
أما نحن، فلدينا مفهومٌ أعمق، سودانيّ الملامح، اسمه “وقت حوبتك جا ”
تمازجٌ بين روح التضامن السوداني وقدرته الفطرية على الإنتاج.
“حوبتك” ليست مجرد شعور بالعطف أو التكافل، بل تحويل التكافل إلى منظومة إنتاج،
وإدارة العلاقات المجتمعية بوعيٍ تنموي، لا بردّ فعلٍ إنساني عابر.
وهذا هو جوهر “الجسر والمورد”: توطين المفهوم العالمي في الوجدان السوداني.
ما بعد الحرب… ما بعد الدولة التقليدية
الفاشر لم تعد ساحة حرب، بل أصبحت ميدان اختبار لإدارة التنافس الدولي على الموارد.
فالقوى التي تراهن على انكسار السودان تراهن على غياب وعيه بموارده،
لكن هذا الوعي بدأ يتشكّل من تحت الرماد:
وعيٌ بأن الإنسان هو المورد الذي لا يُنهب ولا يُهرّب،
وأن إعادة بناء السودان تبدأ من إحياء المورديّة الاجتماعية داخل المجتمع نفسه،
لا من انتظار الإعمار الخارجي أو المساعدات الأممية.
البرهان كرمزية للمسار التحويلي
في فلسفة “الجسر والمورد”، لا يُقاس القائد بعدد قراراته، بل بقدرته على تجسيد التحوّل.
وحين ضمّ البرهان تلك المرأة، كان يجسّد تحوّل الدولة من منطق الصراع إلى منطق الرعاية،
من سيادة السلطة إلى سيادة المورد،
ومن عقلية الدفاع إلى عقلية البناء.
ذلك العناق لم يكن مجرد مواساة؛ بل كان قفلًا نهائيًا لباب التغيير الديموغرافي الذي يُروّج له البعض،
وإعلانًا بأن الدولة السودانية – بهويتها وتنوعها – ما زالت قادرة على حماية مكوناتها وصون نسيجها السيادي.
إنها لحظة سيادية بامتياز… تُعلن أن “الجسر” لا يزال قائمًا، وأن “المورد” حيٌّ لا يُستبدل.
الخرطوم الرمز… من النقاش إلى الوعي
وفي نقاشٍ عميق مع أحد الداعمين لفلسفة الجسر والمورد،
الأخ العزيز خالد محمد أحمد إبراهيم الخليفة،
أشار إلى عبارةٍ قالها أحد رؤساء البعثات الدبلوماسية في السودان حين بدأ حديثه بعبارةٍ لافتة:
> “الخرطوم الرمز…”
كأنما أراد أن يقول: الخرطوم ليست عاصمةً فحسب، بل جسرٌ رمزي يربط كل موارد السودان؛
فمنها تُدار السياسة، وإليها تنتهي الأزمات،
وفيها تُختبر حقيقة الدولة: هل تبقى مركزًا يستهلك، أم تتحوّل إلى رمزٍ يعيد توزيع الموارد بالعدالة والوعي؟
الخرطوم – الرمز – يجب أن تُعاد قراءتها بعين “الجسر والمورد”:
مدينة لا تختزل في سلطة أو إدارة، بل نقطة التقاء بين المورد والوجدان، بين الوعي والسيادة.
ومنها يبدأ السودان الجديد مسيرته نحو العام ٢٠٥٠م،
بسواعد أبنائه، وبإيمانهم بأنّ الإنسان هو الجسر، والمورد هو الإنسان.
#أصل_القضية: من الفاشر إلى المستقبل
الفاشر لم تحترق عبثًا، بل لتُضيء طريق السودان نحو مشروع وطني جديد،
مشروعٌ يستبدل عقلية “الدولة المركزية المتآكلة” بعقلية “الدولة الجسر”
التي تُدير تنافس الموارد بالوعي، لا بالعنف.
في هذا المشروع:
تصبح المورديّة الاجتماعية ركيزة الاقتصاد،
والوعي السيادي بوصلة السياسة،
والمرأة الناجية رمزًا لإنسان السودان الذي ينهض مهما تساقطت المدن.
وهكذا، من بين الرماد، تولد فلسفة السودان الجديد:
أن يكون الإنسان موردًا، والدولة جسرًا، والكرامة أساس السياسة.





