رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. المدني والعسكري… بين الانضباط والمرونة من ١٩٥٦م إلى ٢٠٢٥م

| من سلسلة الجسر والمورد

منذ أن رفع السودان راية الإستقلال عام ١٩٥٦م، ظلّت العلاقة بين المدني والعسكري محورًا حاسمًا في رسم ملامح الدولة. علاقة متأرجحة بين الانضباط العسكري الصارم والمرونة المدنية المتدفقة، بين لوائح صارمة تحكم السلوك داخل الثكنات، وفضاء سياسي مفتوح أحيانا حتى الفوضى. ستة عقود ونصف من التجارب تكشف لنا أن الدولة السودانية لم تُهزم يوما من الخارج بقدر ما تعثّرت عند نقطة التوازن بين المدني والعسكري.

المدني… المرونة التي تتحوّل إلى فوضى

المؤسسات المدنية هي عماد التنمية والديمقراطية، لكنها كثيرًا ما عانت من ضعف في الالتزام باللوائح، وميول للمحاباة وتقديم الولاءات على الكفاءات. النتيجة: خدمة مدنية مترهلة، إدارة مثقلة بالعجز، وغياب استراتيجية مستدامة. المدني في السودان – عبر تجاربه المتعاقبة – لم ينجح بعد في تحويل المرونة إلى إبداع مؤسسي، بل انزلقت في محطات عديدة إلى فوضى معيقة.

العسكري… الانضباط الذي يتجاوز ساحات القتال

أما المؤسسة العسكرية، فقد أثبتت عبر عقود أنها أكثر التزامًا باللوائح والانضباط. الانضباط هو سر بقائها وتماسكها، وهو ما جعلها في نظر العامة “المنقذ عند الأزمات”. لكن المشكلة تكمن في تجاوز حدود الاختصاص، حيث تحوّل هذا الانضباط أحيانًا إلى سيطرة على المجال السياسي، ما أضعف فرص التوازن وأدخل البلاد في دوامة من الانقلابات والتحولات القسرية.

التوازن المفقود… والدولة المرهقة

من ١٩٥٦ إلى ٢٠٢٥م، لم ينجح السودان في بناء عقد اجتماعي يحدد بصرامة ما هو مدني وما هو عسكري. النتيجة كانت إرهاق الدولة:

●فترات حكم مدني يغيب عنها الانضباط.

●فترات حكم عسكري يطغى فيها النظام على الحرية.

وفي كل مرة، يدفع المواطن ثمن هذا التذبذب.

■نحو رؤية الجسر والمورد

اليوم، ونحن نطل على ٢٠٢٥م، يصبح السؤال الأعمق: كيف نبني جسراً بين المدني والعسكري؟ كيف نحوّل الانضباط العسكري إلى رافعة للمدني، ونحوّل مرونة المدني إلى فضاء يطوّع الانضباط لصالح التنمية؟

■ما يمكن وضعه موضع التنفيذ:

١. إصلاح الخدمة المدنية: إعادة هيكلتها على نمط الانضباط العسكري مع الحفاظ على المرونة المدنية.

٢. تشريعات ضابطة: قوانين تحدد بوضوح الصلاحيات بين المدني والعسكري وتمنع التداخلات.

٣. مجلس أعلى للتنسيق الاستراتيجي: يجمع المدني والعسكري لتخطيط الملفات الكبرى (الأمن، الاقتصاد، الاستثمار).

٤. تعليم تكاملي: إدخال الانضباط المؤسسي في الجامعات المدنية، ومناهج الإدارة المدنية في الأكاديميات العسكرية.

٥. حوكمة صارمة: آليات رقابة ومساءلة متبادلة، حيث يُحاسب كل طرف على أدائه بلا حصانات.

٦. استراتيجية الجسر والمورد: تحويل الفجوة إلى تكامل، والانقسام إلى شراكة، لصالح الاستثمار في الإنسان والموارد.

#أصل_القضية أن يكون الحكم عسكريا أو مدنيا، بل أن يكون منضبطا، واضح الصلاحيات، خاضعا للمساءلة. فالعسكري بلا مدني يصبح قيدًا، والمدني بلا عسكري يصبح فوضى.

■الحل في “الجسر” الذي يربط الانضباط بالمرونة،

■وفي “المورد” الذي يحوّل هذه العلاقة إلى طاقة بناء لا معول هدم.

ومن هنا فقط، يمكن للسودان أن يبدأ رحلته نحو التكامل المستدام.

– باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى