رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. بيان البرهان … حين تنتصر السيادة على الحصار

| من سلسلة الجسر والمورد
أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. بيان البرهان … حين تنتصر السيادة على الحصار

باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية

في عالمٍ تُدار فيه الحروب بالتصريحات، خرج رئيس مجلس السيادة القائد العام لقوات الشعب المسلحة الفريق اول ركن / عبد الفتاح البرهان ، ليخاطب العالم من فوق ركام الفاشر، لا من خلف المكاتب.
خطابه لم يكن ردّ فعلٍ على مأساة، بل فعلًا استراتيجيًا مقصودًا يعيد رسم معادلات القوة، ويكشف أن السودان لا يزال يملك صوته، قراره، وميدانه.

١٨ شهرًا من الحصار، و٢٦٩ هجومًا على المدينة، وقرار أممي بالرقم ٢٧٣٦ ، لم يُنفذ.
ثم جاء اليوم الذي تحرّك فيه التاريخ:
القوات المسلحة انسحبت تكتيكيًا من الفاشر، وأخلت قيادة الفرقة السادسة مشاة، ضمن خطة محسوبة لإعادة التموضع.
لكنّ دخول قوات الدعم السريع كشف كلّ شيء:
ذبحٌ وقتلٌ واغتصابٌ ونهبٌ في مشهدٍ يعيد الذاكرة إلى أوجاع دارفور الأولى، ويُسقط آخر ورقة توتٍ عن دعاة الإنسانية الزائفة.

■هنا، كان خطاب البرهان بيانًا باسم الميدان، لا بيانًا عسكريًا فحسب.
بيانًا من وطنٍ ظلّ محاصرًا بالنار والصمت، ليقول للعالم بوضوح:

> إن السيادة لا تُستورد، وإن الكرامة لا تُستعار.

■ ارسل رئيس مجلس السيادة رسائل في بريد كل من :

●في بريد مجلس الأمن الدولي
وجّه البرهان ضربته الأولى نحو المؤسسة الأممية نفسها.
لقد أثبت أن قرارات مجلس الأمن ليست سوى نصوص رمادية معلّقة على جدار ازدواجية المعايير ، وأن العالم الذي سمح بحصار الفاشر لا يملك أخلاق الولاية على السودان.
بهذا الفعل، أحرج البرهان النظام الدولي بأدواته هو: بالوقائع لا بالتصريحات، وبالدم لا بالحبر.
إنها إزاحة لهيمنة القرار الدولي عبر منطق الفعل السيادي، وعودة لجوهر “الواقعية الجديدة” التي ترى أن الدولة، متى امتلكت إرادتها، تتجاوز مؤسسات السيطرة إلى فضاء الندية والاحترام المتبادل.
فبعث هذه الرسالة وحبرها كان بدماء شعب وجيش السودان .

●في بريد المجتمع الدولي ، الرسالة الثانية كانت أكثر عمقًا:
السودان لا يرفض العالم، لكنه يرفض أن يكون وظيفيًا في أجندات الآخرين.
من أراد التعامل معه، فليتعامل من موقع الاحترام المتبادل لا من منطق الهيمنة المقنّعة.
بهذا الخطاب، أعاد البرهان تعريف الشراكة الدولية وفق ميزان السيادة والمصلحة الوطنية، لا وفق مشيئة المانحين.

بلغة “الجسر والمورد”، كان يقول:

> “نحن لا نعبر على جسور الآخرين، نحن نصنع الجسر ونملك المورد.”

ولعلّ طلب سحب الإمارات من المشهد الدبلوماسي، بان الان ضرورة لا نقاش معها ، إذ أُسقط القناع عن كل من محاولاتها في خصخصة الحرب وصناعة الأزمة لإعادة إنتاج السودان كدولة تابعة، لا دولة فاعلة.

●في بريد الرباعية ، جاءت الرسالة الثالثة محمّلة بذكاء التكتيك السياسي:
السودان لن يُدار بالوصاية، ولن يُصاغ مستقبله في الغرف المغلقة.
البرهان لم يهاجم أحدًا، لكنه عرّى حدود التأثير الدولي حين جعل الميدان أقوى من القرارات، والواقع أبلغ من البيانات.
بهذا، استخدم “الردع الرمزي” – وهي أرفع درجات الدبلوماسية التكتيكية – ليبرهن أن “الرباعية”، مهما امتلكت من أدوات ضغط، تبقى خارج معادلة الأرض والدم والإرادة.

●في بريد الداخل السوداني البيان لم يُوجَّه إلى الخارج فقط؛ بل إلى من حاولوا اختطاف وعي الداخل.
حين انسحب الجيش تكتيكيًا، تهاوت الشعارات وانكشف زيف دعاة السلام الذين رفعوا رايات الإنسانية بألسنةٍ مشبعة بالكراهية.
لقد فضحهم الواقع، وأثبت أن من يتاجر باسم الوطن لا يمكن أن يكون له موطئ قدمٍ في مستقبله.
وهكذا أعاد البرهان تعريف الوطنية كمنظومة سيادية تتجاوز الولاءات الضيقة، وتستند إلى قاعدة واحدة:

> الجيش هو عمود السيادة، لا أداة السلطة.

● حين يعيد القائد تموضع الشعب في حرب الوعي
في خطابه الأخير، أكد القائد العام أن حرب الكرامة أثبتت أن الجيش والشعب كيان واحد ، وأنهم سيقتصون لكرامة السودان وشعبه.
بهذه العبارة، أعاد رئيس مجلس السيادة/ البرهان تموضع الشعب في حرب الوعي التي يخوضها العدو ضده في المقام الأول قبل أن تكون ضد سيادة السودان.
لم يكتفِ بإعادة نشر الجيوش في الميدان، بل أعاد نشر الوعي الوطني في الضمائر.
وهنا تتجلى القوة الناعمة العسكرية بأبهى صورها:
• قوة لا تطلق الرصاص بل تُطلق الوعي.
•قوة تُقاتل لتُعيد تعريف النصر بوصفه اصطفافًا وطنيًا شاملًا، لا مجرد تقدّمٍ ميداني.

■ المضمون الأعمق للبيان
من منظور العلاقات الدولية، كان البيان تحوّلًا استراتيجيًا من موقع الدفاع إلى موقع المبادرة.
فقد جسّد ما يُعرف في نظريات التكتيك بـ“الردع المزدوج”:
●ردعٌ ميداني بالقوة الصلبة ضد التمرد،
●وردعٌ سياسي بالقوة الرمزية ضد الوصاية الدولية.

لقد جمع البرهان بين البراغماتية الواقعية والكرامة الوطنية في معادلة واحدة، ليقول للعالم:

> السودان ليس ساحةً، بل لاعب.

•ليس قضيةً إنسانية، بل دولة ذات إرادة.
•ليس تابعًا في محور، بل ركنٌ من أركان محور السيادة الإفريقية التي بدأت تستعيد صوتها بعد عقود من التبعية.

#أصل_القضية،،،
بيان البرهان بعد الفاشر لم يكن خطابًا سياسيًا عابرًا، بل وثيقة تأسيس لوعي سيادي جديد.
فمن تحت الركام خرجت رسالة السودان إلى العالم:
أننا شعبٌ يُحاصر ولا يُكسر، يُختبر ولا يُشترى، يُهاجم ولا يُستدرج.

في مدرسة “الجسر والمورد”، لا يُقاس النصر بعدد الكيلومترات، بل بقدرة الدولة على التحكم في مسارها رغم أنوف الكبار.
وفي لحظة مفصلية، كتب البرهان بدماء جنوده ما عجزت المجالس عن كتابته:

أن السودان، مهما اشتد الحصار، يظل سيّد قراره، لا يُدار إلا بإرادته، ولا يُكتب عنه إلا بيده.

* باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى