رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. بين الأزمنة العدمية وفرصة السودان الاستراتيجية

| من سلسلة الجسر والمورد*

> “في الأزمنة العدمية، تتحول القوانين والسياسات إلى رموز فارغة، والأوطان إلى مساحات تتسع للفوضى أكثر من العدالة.”

في مرآة الأزمنة العدمية ، السودان اليوم يعيش فصلاً مأساويا : مؤسسات شكلية، قوانين بلا تنفيذ، موارد طبيعية تُهدر، وطاقات الدولة تُستنزف في صراعات داخلية وخارجية بلا فائدة حقيقية.

الهشاشة المؤسسية واضحة في كل جانب: من ضعف إدارة الموارد المائية والزراعية، إلى سوء استثمار المعادن والطاقة، وصولًا إلى تعثر مشاريع البنية التحتية الحيوية.

إحصائيات حديثة تعكس حجم الفجوة:

●السودان يمتلك ٢٠٠ مليون فدان زراعي صالح للإنتاج، لكن نسبة كبيرة غير مستغلة، مما يفوت على البلاد فرصًا هائلة في الأمن الغذائي والتنمية الصناعية.

●مساحة الغابات تبلغ حوالي ٢٧٩ مليون فدان، لكن الاستغلال المستدام لهذه الثروة محدود جدًا.

●احتياطي المياه الجوفية يقدر بـ ٩٠٠ مليار متر مكعب، وهو مصدر استراتيجي يمكن استثماره للزراعة والطاقة والمياه الصالحة للشرب.

●طاقة النيل والمياه غير مستثمرة بشكل كافٍ لتوليد كهرباء مستقرة تغطي احتياجات المواطنين والصناعة.

●الذهب والمعادن النفيسة تُستخرج غالبًا عبر شركات أجنبية، بينما الدولة تكاد لا تحصل على نصيب عادل من العائدات.

●فرص الطاقة النظيفة غير مستغلة: السودان يمتلك موارد هائلة للطاقة الشمسية والرياح، لكن لا توجد سياسات واضحة للاستثمار المحلي أو إنشاء صناعات وطنية مستدامة.

الجسر والمورد – رؤية الخروج من العدمية

التحول من العدمية إلى الفاعلية ممكن إذا:

١. إعادة بناء المؤسسات وتطبيق معايير الحوكمة:

•تطوير الأجهزة الحكومية لتكون فاعلة وحقيقية، لا شكلية، مع حوكمة واضحة للموارد والمشاريع الوطنية لضمان الشفافية والكفاءة.

•تطبيق معايير الحوكمة يعزز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب ويحول السودان إلى بيئة مواتية للاستثمار في الزراعة، التعدين، الطاقة الشمسية والرياح، والغابات.

٢. تفعيل دور المشروع الوطني لرتق النسيج الاجتماعي:

●يعد أول مشروع وطني بعد حرب أبريل ٢٠٢٣م، ويهدف لبناء نسيج اجتماعي متماسك ومتسامح قائم على العدل والمصالحة والاعتراف المتبادل، مع التركيز على الوحدة الوطنية والتنمية الشاملة.

●أهدافه: إصلاح المجتمع ومكافحة خطاب الكراهية، تعزيز التسامح والتعايش، المصالحات المجتمعية ونبذ القبلية والجهوية والعنصرية، إشراك الإعلاميين والصحفيين في نشر ثقافة السلام وقبول الآخر.

٣. استثمار الموارد بذكاء:

تحويل الزراعة، الغابات، المعادن، والمياه إلى مشروعات استراتيجية وطنية تحقق الأمن الغذائي والطاقة وفرص العمل للشباب.

٤. الطاقة الخضراء – مستقبل السودان المستدام:

•إنشاء مصنع محلي لإنتاج الواح الطاقة الشمسية.

•تشجيع الاستثمارات الوطنية والخارجية في مجال الطاقة النظيفة.

•دمج الطاقة المتجددة في الزراعة والصناعة والمناطق الريفية.

•توظيفها كأداة قوة ناعمة ودبلوماسية استراتيجية لتعزيز مكانة السودان عالميًا.

٥. تشكيل مجالس استشارية من الشباب والكفاءات:

إشراك الكوادر الوطنية في صنع القرار والتخطيط الاستراتيجي لضمان استدامة المشاريع الوطنية.

٦. توظيف القوة الناعمة:

استخدام الدبلوماسية والثقافة والابتكار لتعزيز صورة السودان دوليًا، وتحويل التنافس الدولي على موارده إلى فرص للتعاون وليس صراعًا.

٧. تعزيز البعد الإقليمي والدولي:

•استغلال الموارد الطبيعية والزراعية والمائية والطاقة الخضراء ليصبح السودان شريكًا استراتيجيًا لدول الجوار والمنطقة.

•توظيف القوة الاقتصادية والموارد كأداة للتفاوض والتعاون بدلًا من أن تكون سببًا للصراع أو التنافس.

•تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية، بما يشمل التبادل التجاري، مشاريع البنية التحتية المشتركة، والمبادرات الإقليمية للطاقة والزراعة والغابات.

•استخدام هذه الموارد لتأكيد مكانة السودان كمركز فاعل في القرارات الإقليمية والدولية، وبناء تحالفات استراتيجية تضمن الأمن الاقتصادي والسياسي.

أمثلة وتحليلات:

●المياه والزراعة: ضعف استغلال مياه النيل الجوفي والسطحي أدى إلى نقص في الإنتاج الزراعي رغم وجود ٢٠٠ مليون فدان قابلة للاستثمار واحتياطي مائي جوفي هائل بـ ٩٠٠ مليار متر مكعب.

●الغابات: مساحة الغابات ٢٧٩ مليون فدان، لكنها غير مستغلة في الصناعات الخشبية والزراعة المستدامة.

●المعادن: السودان خامس أكبر منتج للذهب في إفريقيا، لكن الدولة تحصل على أقل من ٢٥٪ من العوائد الإجمالية بسبب التعاقدات غير الاستراتيجية.

●الطاقة التقليدية: الاعتماد على الوقود المستورد رفع تكاليف الإنتاج وضعف الكهرباء للمواطنين، في حين أن الطاقة الشمسية والرياح غير مستغلة بشكل يذكر.

خارطة الطريق الوطنية

١. مؤسسات فاعلة وحوكمة قوية وجذب الاستثمارات:

•إنشاء هيئات مركزية لإدارة الموارد والمشاريع بشكل شفاف ومتكامل.

•تطبيق معايير الحوكمة الدولية والمحلية لضمان الثقة وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.

•تعزيز الثقة بين الدولة والقطاع الخاص لتسريع تنفيذ المشاريع الوطنية، بما يشمل الطاقة الخضراء، الزراعة، التعدين، والغابات.

٢. المشروع الوطني لإعمار النسيج الاجتماعي: استمرار تنفيذ المشروع برعاية نائب الرئيس وهيئة علماء السودان لإصلاح المجتمع وتعزيز التسامح والمصالحة الوطنية.

٣. المجالس الاستشارية للشباب والكفاءات: إشراك الكوادر الوطنية في التخطيط وصنع القرار لضمان استدامة المشاريع الوطنية.

٤. مشروعات استراتيجية للموارد: استغلال الأراضي الزراعية غير المستغلة، الغابات، وتفعيل التعدين بطريقة عادلة للوطن.

٥. الطاقة والمياه والطاقة الخضراء: استثمار القدرات المائية والجوفية، الشمسية والرياحية في توليد الكهرباء لدعم التنمية والصناعة المحلية، وإنشاء مصانع محلية للألواح الشمسية.

٦. الدبلوماسية والقوة الناعمة: استخدام الموارد كأداة لتعزيز موقف السودان في الإقليم والدولي، واستثمار الطاقة النظيفة كجزء من استراتيجيته العالمية.

٧. تعزيز البعد الإقليمي والدولي: استثمار الموارد لتعزيز علاقات السودان مع دول الجوار والمنطقة، وخلق تحالفات استراتيجية، وتحويل الموارد إلى أدوات قوة اقتصادية ودبلوماسية.

> “الأوطان لا تُنهض بالشكوى وحدها، بل بالمبادرة الذكية، بالخطوات المدروسة، وبرؤية واضحة للمستقبل.”

قراءة براون للأزمنة العدمية ليست دعوة لليأس، بل إنذار لكل من يعيش في الظل السياسي أو الاقتصادي: قوتنا تكمن في إعادة ترتيب أولوياتنا، وتحويل الموارد من أدوات استنزاف إلى أدوات بناء، مع تفعيل المشروع الوطني لإعمار النسيج الاجتماعي والطاقة الخضراء واستغلال الغابات والمياه الجوفية، وتطبيق الحوكمة لجذب الاستثمارات لتكون الركيزة الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية للتنمية.

السودان أمام لحظة فاصلة: إما أن يظل ضحية الأزمنة العدمية، أو أن يصبح نموذجًا فريدًا لبلد حول الهشاشة إلى قوة، الموارد إلى مستقبل، والطاقة التقليدية إلى طاقة مستدامة، وحقق تنمية حقيقية وكرامة وطنية. الفرصة ليست نظرية، بل استراتيجية واقعية قابلة للتطبيق، تعكس رؤية الجسر والمورد في تحويل التحديات إلى فرص، وتحويل الأزمة إلى لحظة وطنية مصيرية.

“من يعرف قيمة موارده، يعرف قيمة شعبه، ومن يحمي مؤسساته، يحمي سيادته.”

* باحث بمركز الخبراء للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى