رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. بين الجليّ والخفيّ… الاستلاب المركّب

| من سلسلة الجسر والمورد

> «أخطر أشكال القهر أن يُقنع الإنسانُ نفسَه بأن العجز حكمة، وأن التردّد موقف.»

ليس الاستلاب حادثةً عابرة،

ولا مؤامرةً تُدار من الخارج وحده،

بل فعل داخلي متراكم يبدأ حين يتخلّى الإنسان عن سؤاله الأوّل:

من أنا؟ ماذا أريد؟ وأين أقف من هذه اللحظة؟

في السودان، نحن أمام استلاب مركّب:

جليّ في ضجيجه،

وخفيّ في جذوره،

يُغذّيه فردٌ مشغول بالآخر أكثر من انشغاله بذاته،

يتقمّص دور “العالِم بكل شيء”،

ويعجز في الوقت ذاته عن تعريف هدفه أو تحمّل مسؤوليته.

حين يتحوّل الحق إلى تهمة

عندما وجّه رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بعدم منع أي سوداني من حقه في استخراج أوراقه الثبوتية،

لم يكن ذلك إجراءً إداريًا عابرًا،

بل إعادة تثبيت لمعنى الدولة.

وفق رؤية الجسر والمورد،

ما صدر نصٌّ دستوريٌّ صريح وحقٌّ أصيل لكل سوداني،

لا منّة فيه ولا مزاد.

لكن الاستلاب هنا تكلّم بصوتٍ عالٍ:

عورِض الحق لأنه لم يأتِ عبر مزاج الوصاية،

وشُكّك فيه لأنه لم يمرّ عبر قنوات الادّعاء،

ثم ذهبوا أبعد…

يطالبون القائد بتحديد تحركاته،

ووجهاته،

وحتى آلية تفكيره.

وهنا لا نكون أمام معارضة،

بل أمام مصادرة وعي،

وتجريف لمعنى الدولة باسم “الحرص”.

الوحشية الجديدة: فقدان الإنسانية طوعًا

في كتابه «الوحشية: فقدان الهوية الإنسانية»،

لا يختزل آشيل مبيمبي الوحشية في العنف المادي،

بل يعرّفها بوصفها تحويل الإنسان إلى كائن بلا معنى ذاتي،

يعيش خارج نفسه،

ويُدار بالخوف، والتحريض، والتصنيف.

هذا هو واقعنا.

نحن لا نُقمع فقط،

بل نُعيد إنتاج القمع داخل وعينا.

— حكومة الأمل،

— حكومات الولايات،

— الخدمة المدنية…

بونٌ شاسع بين المواطن والدولة،

ليس لأن الدولة وحدها غائبة،

بل لأن المواطن تخلّى عن تعريف نفسه.

لا هذا يعرف واجباته تجاه ذاته،

ولا ذاك يدرك حدوده تجاه الوطن.

النتيجة:

فراغ أخلاقي،

تملؤه الثرثرة بدل الفعل،

والاتهام بدل المسؤولية.

الدم الكاذب… حين تُصنع الوطنية للتضليل

﴿وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾

ليست الجريمة في السكين،

بل في الدم الكاذب.

في الدليل المصنوع،

وفي الرواية الملفّقة التي تُقدَّم بوصفها “حرصًا” و”غيرةً على الوطن”.

هكذا يُدار الاستلاب:

لا عبر القمع الصريح،

بل عبر تزييف الوعي،

حين يُطلب من العقل أن يصدّق ما لا يُعقل،

ومن المواطن أن يشكّ في الحق لأنه لم يُغلّف بالشعار المناسب.

الدم الكاذب أخطر من العنف،

لأنه لا يجرح الجسد…

بل يُعطّل البصيرة.

لحظة المواجهة… سقوط الأقنعة

﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾

هذه ليست لحظة انتقام،

بل لحظة فرز.

حين تُسحب الأقنعة،

ويُجبر المدّعون على النظر في المرآة.

الجهل هنا ليس نقص معرفة،

بل عمى متعمَّد،

وسوء نية مقنّع بالحرص،

وتذاكٍ يُراد له أن يبدو حكمة.

هي اللحظة التي يُسأل فيها الجميع بلا استثناء:

ماذا فعلتم بالوطن… حين ادّعيتم حبه؟

الاستلاب المركّب: حين تتواطأ الضحية مع القيد

نطالب الدولة بكل شيء،

ونتهرّب من سؤالٍ واحد:

> ماذا أستطيع أنا أن أفعل؟

وما الذي أقدّمه فعلًا، لا ادّعاءً؟

نريد قائدًا كاملًا،

ومؤسسات بلا أخطاء،

وشعبًا بلا واجبات.

نريد كل شيء…

إلا الإنسان المسؤول.

الجسر والمورد: استعادة الوعي قبل استعادة الدولة

في الجسر والمورد،

لا تُبنى الدول من أعلى فقط،

بل من تحرير الوعي في القاعدة.

لا نحتاج خطبًا نارية،

ولا شعارات مُخدِّرة،

بل شجاعة سؤالٍ صادم:

هل أنا فاعل… أم مجرّد مُعلّق؟

الحق لا يُفاوض.

والدولة تُصلَح بالفعل لا بالوصاية.

والإنسان الحرّ لا يراقب كل شيء،

بل يُتقن ما بيده.

القطيعة اللازمة: لا تذاكي بعد اليوم

ليكن واضحًا بلا مواربة:

السودان لا يمرّ بمرحلة نقاش،

بل يقف في مرمى قدرٍ جلل…

لحظة فرز قاسٍ لا تُجامل أحدًا ولا تنتظر أحدًا.

هذا ليس زمن التذاكي المفرط،

ولا ساحة الثرثرة المقنّعة بالحكمة،

ولا مسرح الادّعاء.

كلٌّ يعرف قدر نفسه،

ويعرف حدوده الحقيقية،

ويعرف – إن تبقّى فيه شيء من صدق –

ما الذي يستطيع فعله وتقديمه فعلًا،

لا ما يتمنّى أن يُنسب إليه.

فلا داعي للاستعلاء الزائف،

ولا وصاية بعد اليوم.

#أصل_القضية : بلا مناطق رمادية

كلّ الذين يتظاهرون اليوم بالوطنية ويدّعونها،

نقولها صريحة عبر #أصل_القضية:

مضى زمن الكائنات الهلامية…

وأنتم تعرفونها جيّدًا.

السودان يتهيّأ لأمرٍ جلل،

ولحظة كهذه لا تحتمل أنصاف المواقف.

إمّا أن تكون سودانيًا قُحًّا،

واضحًا في موقفك،

صريحًا في فعلك،

مسؤولًا عن دورك،

وإمّا فلا.

إمّا أن نلتفّ خلف القائد في معركة دولة لا أشخاص،

وننتصر بوعيٍ صارم وانضباطٍ لا يساوم،

وإمّا أن نعيد ونزيد

حكاية نعرف نهايتها،

حجوة أم ضبيبينة…

نختلف حولها،

ونُدفن جميعًا تحت نتائجها.

التاريخ لا يُخدع بالدم الكاذب،

ولا يرحم من يتأخّر عن لحظة الفرز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى