رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. بين شرعية الدولة ووهم التوازي- معركة التمثيل الدولي

| من سلسلة الجسر والمورد

> “في العلاقات الدولية، لا يكفي أن تدّعي أنك موجود… بل يجب أن تُعترف بك كفاعل شرعي داخل النظام الدولي.”

رسالة السودان بعد أبريل ٢٠٢٣م

على السودان أن يرسل رسالة واضحة للعالم:

إن الموقف الدولي الملتبس تجاهه منذ تمرد قوات الدعم السريع في أبريل 2023م، وما خلّفه من دمار في الخرطوم والأقاليم، لن يزيد هذا البلد إلا صلابة وقوة.

فالسودان الذي أرادوا كسره، خرج من رحم الحرب أكثر تعلقًا بأرضه، وأكثر إيمانًا بوحدته، وأكثر تصميمًا على بناء مستقبله.

إن كل مؤامرة داخلية أو خارجية لن تجد في هذه الأرض إلا رجالًا ونساءً آمنوا بها إيمانًا لا يتزعزع، وارتبطوا بترابها ارتباط الروح بالجسد.

وبعد الحرب زادت همتهم وتعمّق ولاؤهم لهذا الوطن، ليبقى السودان عصيًا على الانكسار.

التوازي الموهوم… بين الحقيقة والوهم

حينما قبلت المنابر الدولية تمثيل الدكتور كامل الطيب إدريس للسودان، فإنها لم تمنحه شرعية شخصية، بل أكدت الشرعية الدولية للدولة السودانية بوصفها كيانًا واحدًا لا يقبل الانقسام.

هنا ينهار من الأساس البناء النظري الذي حاولت ما يُعرف بـ”حكومة التأسيس” أن تُشيّده عبر دعاوى الموازاة مع “حكومة بورتسودان” أو ما يسميه البعض حكومة الأمر الواقع.

في ميزان نظريات العلاقات الدولية، فإن التوازي بين الحكومات لا يتحقق بمجرد الادعاء أو الوجود الإعلامي؛ بل يُبنى على ركنين:

١. الاعتراف الدولي الفعّال: وهو الاعتراف الذي يُترجم إلى مقاعد أممية وعلاقات دبلوماسية ومكانة قانونية.

٢. القدرة على السيطرة الفعلية: أي السيطرة على الإقليم والسكان والموارد، وهو ما تفتقده كل حكومة ظل أو تأسيس مهما رفعت من شعارات.

وبالتالي فإن تمثيل كامل إدريس للسودان ينسف تمامًا أي حديث عن “موازاة”، ويؤكد أن الدولة السودانية – رغم جراحها – ما زالت تُرى في أعين العالم كجسد واحد لا يقبل القسمة.

الحرب والتمثيل… الأبعاد الاستراتيجية

السودان يخوض حرب الكرامة ليس فقط في ميادين القتال، بل أيضًا في ميدان الشرعية الدولية.

الصمت المريب من المجتمع الدولي يحمل رسالتين:

●اعتراف ضمني باستمرار الدولة السودانية بكيانها القانوني.

●امتناع مقصود عن الانحياز المعلن، حتى يظل ميزان القوى في الداخل هو الفيصل.

لكن الخطر أن “حكومة التأسيس” تحاول استغلال هذا الصمت لترويج نفسها كبديل، عبر ما يمكن تسميته بـ الاعتراف الافتراضي أو الإسفيري.

تُستخدم المنصات الإعلامية ووسائل التواصل كأدوات لمحاكاة الدولة.

غير أن هذه المحاكاة تظل عاجزة عن التحول إلى واقع سياسي، طالما أن القانون الدولي يحصر الاعتراف في المؤسسات السيادية الرسمية.

مصفوفة الجسر والمورد… التعامل مع الواقع غير التقليدي

في مواجهة هذا الواقع، لا بد أن يتعامل السودان وفق مصفوفة غير تقليدية تنطلق من رؤية الجسر والمورد، وذلك عبر:

١. تثبيت التمثيل الدولي: عبر الحضور الفاعل في المحافل الأممية والإقليمية، وإبراز وحدة الدولة رغم الحرب.

٢. إعادة هندسة الخطاب السياسي: تحويل خطاب الحرب من مجرد صراع داخلي إلى معركة سيادة وشرعية ضد مشاريع التشظي.

٣. تفعيل القوة الناعمة: عبر الأدب، الإعلام، والدبلوماسية الشعبية لإبراز صورة السودان كدولة واحدة ذات رسالة.

٤. ابتكار أدوات اعتراف بديلة: ليس انتظارًا للعالم، بل صناعة واقع ميداني واقتصادي يجعل من السودان لاعبًا لا يمكن تجاوزه.

من وهم التوازي إلى حقيقة الدولة

إن نظرية التوازي التي تحاول حكومة التأسيس تسويقها ليست سوى وهم يُكذبه علم العلاقات الدولية، ويهدمه الواقع القانوني والسياسي.

فالسودان، رغم الحرب، ما زال حاضرًا في النظام الدولي كدولة واحدة لها تمثيلها الشرعي.

والتاريخ لا يرحم من يراهن على الوهم؛ فالدول تُبنى على القوة والسيادة والاعتراف، لا على البيانات الافتراضية.

> “إن أخطر ما يواجه الأوطان ليس الرصاص وحده، بل محاولات تفتيت شرعيتها في صمت العالم… وهنا يعلو صوتنا: السودان لن يُقسم.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى