رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. حين تتحول الهوية إلى مورد قوة

من سلسلة الجسر والمورد

> ليست الهوية قدراً محتوماً، بل اختياراً واعياً. والسودان اليوم أمام امتحانٍ مصيري: إمّا أن يُعيد تشكيل هويته كجسر جامع، أو يُترك أسيرًا لوهم الانقسام وصراع السرديات.

السودان: بلد التنوع لا لعنة التعدد

من يقرأ تاريخ السودان يكتشف أن هذا البلد لم يُخلق أحاديّ الهوية، بل هو نسيج متعدّد من لغات وثقافات وأديان. لكن الأزمات لم تنشأ من هذا التعدد، وإنما من فشل النخب في إدارته.

لقد حوّل البعض الهوية من “مورد قوة ناعمة” إلى “سلاح تفتيت”. والنتيجة كانت حروبًا أهلية، انفصال الجنوب، وتمردات تتذرع بالانتماء القبلي أو الجهوي. الحقيقة أن السودان لا يحتاج إلى هوية مفروضة من فوق، بل إلى عقد اجتماعي يُعيد تعريف الانتماء الوطني كمرجعية عليا.

تشخيص اللحظة السودانية:

● هوية مختطفة: السردية الوطنية تُستبدل بخطاب قبلي أو طائفي، فتتآكل الدولة.

● سياسة مرتبكة: الخارج يتعامل مع السودان كساحة نزاع لا كدولة ذات سيادة، لأنه لا يرى هوية جامعة تحمي القرار الوطني.

● مجتمع صامد: رغم الحروب والنزوح، ظل السودانيون قادرين على التعايش وتقاسم الخبز والمأوى، في دلالة أن الشعب أقوى من وهم الانقسام.

هذه المفارقة – دولة تتشظى بينما المجتمع يتمسك بوحدته – هي جوهر القضية.

رؤية الجسر والمورد:

■ الجسر: أن نخرج من هوية الانقسام إلى هوية العبور. أن نربط القبيلة بالوطن، والإقليم بالدولة، والتعدد بالوحدة. الجسر يعني أن يصبح الانتماء الوطني المظلة الجامعة التي تحمي الجميع.

■ المورد: أن نجعل من هذا التنوع قوة استراتيجية. فالثقافات موارد، واللغات موارد، والاختلاف مورد إذا أُدير بحكمة. المورد يعني أن تُستثمر الهوية السودانية كقوة ناعمة في محيطها الإقليمي والدولي.

الهوية… والعقل الاستراتيجي:

لا نجاح لأي مشروع وطني دون بناء وعي جديد بالهوية. والمراكز البحثية والفكرية مطالبة اليوم بأن تُصبح عقل الدولة، تُعيد رسم الهوية بعيدًا عن الوهم الأحادي. الأفكار ليست ترفًا، بل هي خط الدفاع الأول ضد الانقسام. وما رؤية “الجسر والمورد” إلا محاولة جادة لترجمة هذا الوعي إلى خارطة طريق.

الجسر والمورد: من التشخيص إلى الحلول

١. ميثاق هوية وطنية: دستور يُعرّف الهوية السودانية بوصفها متعددة الأبعاد، جامعة لا مُقسّمة.

٢. عقد مواطنة جديد: يساوي بين الجميع بلا تمييز، ويُجرّم استغلال القبيلة أو الدين في السياسة.

٣. إعادة بناء التعليم: ليُصبح منصة لترسيخ الهوية الجامعة عبر المناهج، لا أداة لإعادة إنتاج الانقسام.

٤. إعلام جامع: يُحوّل المنابر من ساحة خطاب كراهية إلى صوت وطني جامع.

٥. دبلوماسية الهوية: أن نُعيد تقديم السودان كجسر ثقافي وحضاري بين إفريقيا والعالم العربي، لا كمساحة نزاع مفتوحة.

٦. توظيف التنوع الاقتصادي: استثمار التعدد الجغرافي والموارد البشرية بوصفه انعكاسًا للهوية الجامعة.

٧. مشروع وطني للسلام: يقوم على دمج الميليشيات في هوية الدولة لا على تكريس ولاءات موازية.

أصل القضية: النداء إلى من يملكون القرار وإلى من يعيشون الواقع

أيها السادة صُنّاع القرار… وإلى عموم المواطنين في قراكم ومدنكم:

إنّ السودان لا يُختزل في هوية ضيقة ولا في انتماء جزئي. هذا وطن يملك هوية أوسع من القبيلة وأرحب من الجهة: هوية قادرة على أن تكون موردًا لا لعنة.

الثورة لا تكون ثورة إلا إذا صارت هوية جامعة، والدولة لا تكون دولة إلا إذا صارت بيتًا للجميع. وبينهما يقوم الجسر والمورد: مشروع عبور السودان من وهم الانقسام إلى نهضة الهوية الجامعة.

-باحث بمعهد الخبراء للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى