رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. حين يثقل القلم بالحزن… ولا ييأس القلب من السودان

| من سلسلة الجسر والمورد

ما اعتدتُ — والله يشهد — أن أكتب هذا العمود إلا في ساعات الصفاء:

إمّا فجراً حين يبدأ الضوء ينسلّ على استحياء، أو بعد العاشرة مساءً حين تهدأ الأصوات ويصفو الطريق بيني وبين الورق.

كنت أظن أن جمال الحروف يأتي من هدوء اللحظة… لأني أؤمن بالجسر والمورد ولأن هذه الرؤية ستكون يوما جاءت من إيماني بقول الله عز وجل :{ورسلا لم نقصصهم عليك} واسأل الله ان أكون منهم

بعض الأيام، تثقل فيها الروح حتى يصبح القلم نفسه غريباً في يد صاحبه.

اليوم…

لم أجد شغف البدايات، ولا صفو المعتاد.

وجدتُني غارقاً في سؤالٍ ظلّ يلاحقني:

لماذا فقدنا الإحساس بكل ما من حولنا ؟؟ لماذا فقدنا الإحساس ببعضنا ؟؟؟ لماذا يتلذذ بعضنا في أذية الآخر؟؟

كيف طغت علينا الدنيا حتى صرنا أسرى العشم الذي كان نبينا ﷺ يتعوذ منه؟

وكيف تحوّلنا نحن — الذين كنا نحمد الله على القليل — إلى قومٍ ينسون النعمة حين يكثر الضجيج؟

وأنا أتهيأ للكتابة، عاد إلى ذهني حديثٌ قديم…

حديث لا يغيب عني، ولا أظن أنه سيغيب ما حييت.

حديثي مع أمي… رحمها الله.

يا الله… كأني أسمع صوتها الآن، هادئاً مطمئناً كنسيم الفجر.

كنت أقول لها:

«يا أمي… الالتزامات كثيرة علي… وأنا اتظلمت كتير… وما قادر أتحمّل.»

فترد عليّ تلك المرأة الصالحة بكلمات لو صبت على جبلٍ لأزاحته من مكانه:

«عاين لأولادك… عاين للنعمة الإنت فيها… احمد الله يا ولدي.»

والله لكأني أسمعها الآن لأول مرة…

وكأن صوتها يوقظ شيئاً في داخلي كان نائماً.

ثم فجأة … ومن بين هذه الحروف، تذكرت بيت الشافعي:

وليس الذئبُ يأكل لحمَ ذئبٍ

ويأكلُ بعضُنا بعضاً عيانا

كيف وصل بنا الحال إلى هذا؟

كيف صار بعضنا يأكل بعضاً بلا خوفٍ ولا خجل؟

كيف صرنا نرى أخانا يقع فلا نمدّ له يداً، بل نزيده سقوطاً؟

يا أهل السودان…

أتدرون لماذا تتداعى علينا الأمم؟

ليس لأنهم أقوى منا…

بل لأننا تركنا سنة التدافع التي أمرنا الله بها.

تركنا روح التعاون، وتركنا كلمة الحق حين تضعف النفوس، وتركنا المروءة التي كانت تاج السوداني أينما حلّ.

والله ما حزني اليوم على الخراب…

ولا على المدن التي تغيرت ملامحها… ولا على التغيير الذي أراه يتحقق يوما بعد يوم

ولا على الطرق التي صمتت.

ولا على أولئك الذين لا يريدون العودة للسودان فتمصرنوا او تغربوا

حزني الحقيقي على النفوس… على القلوب التي انطفأت… على الضمائر التي تاهت في زحمة الخوف والشك والجوع. ومرض القلوب

ولا أكتب هذا وأنا يائس — حاشا لله — فوالله ما دخل اليأس قلبي يوماً، ولن يفعل.

لكنني… حزين.

حزين لأن السودان أكبر من هذا الوجع، وأطهر من هذه الفتن، وأقدر على النهوض مما نراه. حزين على أن السودان ينادي اركب معنا … فيأتيه الرد سآوي الى بلد أكثر امنا منك !!! اي دار فيه الأمان غير دارك

واليوم…

أكتب أيضا لأقول شيئاً لشخصٍ نصب نفسه عالما جليلا كما النمرود بن كنعان حين قال انا احيي واميت أن ما أكتبه ليس مني…

انه ما أجراه الله وقسمه ليدي وعقلي وكلي فخطه فقرأته أنت

يا صديقي، هذه الحروف،،،

صرخة قلب…

ذاكرة أم…

وجعة وطن…

والله بيني وبينك ..

هذه حروف رجلٍ يحمل السودان في صدره أكثر مما يحتمل.

وأقول أيضاً لقرّاء #أصل_القضية الذين ينتظرون هذا العمود كل صباح

اعذروني اليوم… فقد أبى قلمي إلا أن يخطّ هذه الكلمات كما خرجت من صدري.

فاستقبلوها كما هي… دون تجميل… دون رتوش…

فهي أقرب ما تكون إلى وجدان الإنسان حين يتعب لكنه لا ينكسر.

ووالله… ما زلت أرى الفجر قريباً،

وما زلت أؤمن أن السودان، مهما طال ليله، سيشرق عليه ضوء لا يقدر أحد على حجبه. فاللهم استخدمنا ولا تستبدلنا

#أصل_القضية

قضية وطن…

لا نملك إلا أن نحبه… ونحزن عليه… ثم نقوم ونمسح التراب عن وجهه ونواصل الطريق.

– باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى