
أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر… ذاكرة الكرامة… من معبد الحرب إلى ضمير الأمة
من سلسلة الجسر والمورد
> “إنها ليست حربنا الأولى، لكنها معركتنا الأخيرة لاستعادة ذاكرة السودان من بين أنياب التزييف.”
✦ من معبد الحرب: خطاب يوقظ الذاكرة
في العيد الحادي والسبعين للجيش، ارتفع صوت الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان من معبد “إله الحرب”. لم يكن خطابًا عسكريًا عابرًا، بل إعادة إحياء لذاكرة كادت تُختطف.
> “لسنا ضحايا حرب، نحن حملة ذاكرة الكرامة.”
هنا تتجسد فكرة فينتريس وويكهام: الماضي ليس ما جرى فقط، بل ما نختاره نحن أن نتذكره وننقله.
✦ الذاكرة كساحة معركة
كما تتصارع القوى العالمية على الذهب والنفط والمياه، تتصارع على ذاكرة السودان:
هناك من أراد أن يحوّلها إلى ذاكرة جوع وفقر وتشريد.
وهناك من حاول محوها وكتابة رواية بديلة تخرّج الشعب من دائرة البطولة.
لكن الجيش أعاد ترتيب المشهد: السودان ليس ملفًا إنسانيًا في أدراج المنظمات، بل وطنٌ يكتب تاريخه بدمائه.
هنا تنقلب الطاولة: الذاكرة الوطنية تتحول من عبء يثقل الأكتاف إلى مورد استراتيجي وسلاح يعيد صياغة الهوية.
✦ أدبيات حرب الكرامة: الشعب يكتب مع جيشه
حرب الكرامة لم تُخض بالرصاص وحده، بل بالقصائد والأغنيات والهتافات:
●الشهيد / مهند : “نحن بنكتب تاريخنا بعرقنا… وما بنخليهو يتهزم قدام زيف الأعداء.”
●السالامابي: “نحن الكرامة… ما بنبيع الأرض ولو ضاقت الدنيا بينا.”
●الأطفال في الشوارع: “جيشنا عزتنا… ما بنخلي الوطن غنيمة.”
هذه النصوص ليست مجرد أشعار، بل ذاكرة مقاومة تنقش في الوعي الجمعي. إنها الطبعة الشعبية التي تكمل الطبعة الرسمية للجيش.
✦ دروس اليابان: عندما تتحول الصدمة إلى نهضة
في منتصف القرن التاسع عشر، كانت اليابان جزيرة نائمة خارج الزمن. نظام إقطاعي صارم، سادة الساموراي يحكمون، والفلاحون يزرعون، والعالم الخارجي محجوب.
لكن سنة ١٨٥٣م، سفن الكومودور بيري البخارية السوداء طرقت أبواب اليابان، محملة بالمدافع. الصدمة كانت قاسية: العالم قد تجاوزهم، والقوى الغربية تسحق الأمم المتأخرة.
من هنا وُلد القرار التاريخي: إصلاحات ميجي ١٨٦٨م. الإمبراطور الشاب ميجي أنهى حكم الشوغونات وأعلن عهدًا جديدًا، تحولت اليابان خلال عقود قليلة من أرخبيل إقطاعي إلى دولة حديثة:
●القلاع الخشبية استبدلت بالمصانع، والطرق امتلأت بالقطارات.
●الساموراي تركوا السيوف ليصبحوا ضباطًا وإداريين.
●التعليم صار إلزاميًا، والدولة أرسلت بعثات للتعلم من أوروبا وأمريكا.
الدرس السوداني: كما فعلت اليابان، يمكن للسودان أن يحول ذاكرة الكرامة من إرث مؤلم إلى قوة تحرك الأمة بأكملها، مع الحفاظ على الهوية الوطنية.
✦ من الضحية إلى الفاعل
خطاب البرهان يطرح السؤال المحوري: كيف نروي أنفسنا؟
●الضحية تتسول ذاكرةً كتبها الآخرون.
●الفاعل يصوغ ذاكرته بدمه وقلمه وصوته.
إنها عملية إعادة إنتاج الهوية وتحويل الألم إلى طاقة بناء، كما فعلت اليابان مع صدمتها التاريخية.
✦ الجسر والمورد: استراتيجية الذاكرة
وفق رؤية الجسر والمورد:
●الذاكرة هي الجسر بين تضحيات الماضي وأحلام المستقبل، بين دماء الجنود وأحلام الأطفال.
●الذاكرة هي المورد الذي يمكن استثماره سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، تمامًا كما نستثمر الذهب أو النفط.
●إدارة الذاكرة بشكل واعٍ تجعل السودان قوة ناعمة صاعدة، يصدر صورة الكرامة والصمود للعالم، لا صورة التبعية والانتظار.
أصل القضية،،،
الأمة التي تفقد ذاكرتها، تفقد مستقبلها. والسودان اليوم أمام مفترق تاريخي:
■إما ترك ذاكرتها تُكتب في الخارج وتتحول إلى “دولة وظيفية”.
■أو كتابتها بنفسه بلغة الكرامة، لبناء مشروع وطني جامع.
خطاب الجيش لم يكن مجرد كلمات، بل إعلان استعادة ذاكرة السودان، ذاكرة لا يملكها إلا شعبها وجيشها، تُنحت على صخور التاريخ، لا تُمحى ولا تُباع.
> “لسنا أمةً تُدفن في ذاكرة الآخرين، بل أمةٌ تصنع ذاكرتها بنفسها.”
* باحث بمركز الخبراء للدراسات