رأي

أصل القضية.. محمد أحمد أبوبكر/ مركز الثقل السوداني… من يزيحه، ومن يستهدفه!

* باحث بمركز الخبراءالعرب

> “حين تدرك الأمة مركز ثقلها، يتغيّر موقعها في التاريخ… لا فقط على الخريطة!”

في عُرف العلوم الاستراتيجية، يُعرَّف مركز الثقل (Center of Gravity) بأنه ذلك العنصر الجوهري الذي تستند إليه القوة الشاملة لأمة أو نظام أو تحالف أو مقاومة. هو ليس شيئًا واحدًا دائمًا، بل قد يكون شعبًا، أو إرادة سياسية، أو قدرة عسكرية، أو حتى سردية وطنية.

وقد عرّفه المفكر العسكري كلاوزفيتز بأنه “النقطة التي إن ضُربت انهارت منها كل القوى”، فيما يربطه جوزيف ناي بالقوة الناعمة المؤثرة في إدراك الآخر، بينما يرى إليوت كوهين أن مركز الثقل قد يكون سردية وطنية جامعة يتكئ عليها الشعب حين تتفكك الدولة.

وبالنظر إلى السودان في ظل الصراع الراهن، يظهر السؤال المركزي: ما هو مركز الثقل الذي يسعى الأعداء إلى كسره؟ وما الذي يتوجّب على النخبة السودانية فعله لحمايته وتدعيمه وتوجيهه نحو مستقبل جامع؟

🎯 مركز الثقل في السودان: ليس في الخرطوم وحدها!

منذ سقوط الخرطوم، سادت حالة من الذهول، وظنّ البعض أن مركز السودان قد انهار… لكن الحقيقة التي تجلّت في الفاشر وسنار وجنوب كردفان وشرق السودان، تقول غير ذلك.

إن مركز الثقل السوداني ليس موقعًا جغرافيًا فقط، بل هو مزيج معقّد من:

●الإرادة الشعبية الصلبة،

●العقيدة الوطنية للمؤسسة العسكرية،

●المخزون الرمزي للمدن المقاومة،

●الإيمان الشعبي الراسخ بأن السودان ليس للبيع ولا للاستلاب.

ولذلك، فإن من يظن أن السيطرة على الخرطوم تعني سقوط السودان، لا يفقه في التوازنات الاستراتيجية شيئًا.

🧠 التضليل الاستراتيجي: لعبة الكبار… والساقطين!

من أخطر أدوات الحروب الحديثة، وخاصة في سياق الدول المنقسمة والمثقلة بالتاريخ والتنوع كالسودان، هو ما يُعرف بـ التضليل الاستراتيجي (Strategic Deception). إنه محاولة منهجية لإقناع الخصم – أو الشعب – أن الحقيقة كذبة، وأن الهزيمة نصر، وأن الخيانة وطنية.

لقد مورست على السودان منذ عقود، عبر أدوات عديدة:

●الإعلام المنحاز والموجّه الذي يشيطن طرفًا ويقدّس آخر.

●المنظمات الدولية المسيسة التي تصدر تقارير مُنتقاة.

●شخصيات نافذة تم شراؤها لتبث اليأس من الداخل.

●أجندات النُخب الطامحة للسلطة ولو على حساب الوطن.

ولفهم مدى عمق هذا الاستهداف، علينا النظر إلى أدوات مثل:

●التسليح غير المتوازن لبعض الأطراف خارج إطار الدولة،

●الاستثمارات الغامضة في المناطق الاستراتيجية،

●الحملات الإعلامية الدولية الموجهة ضد الجيش أو التيار الوطني،

●الاختراق الدبلوماسي الذي يسوّق الوصاية على القرار السيادي.

والنتيجة: بلد منهك يَحسبُ أن أعداءه أصدقاء، ويعادي من يحمل روحه ويذود عن أرضه.

💸 الفساد: حاضنة التضليل ونقطة ضعف قاتلة

لا يمكن فهم مسار التضليل الاستراتيجي في السودان دون الوقوف عند الفساد المالي والإداري، الذي تحوّل إلى وسيلة للتشويش والتخدير وضرب المنظومة الأخلاقية للمجتمع.

فالفساد لا يسرق المال فقط… بل:

●يشتري الذمم،

●يُجهّز بيئة القابلية للاستعمار الجديد،

●يشكّل تحالفات خفية بين بعض النخب والفاسدين الدوليين،

●ويُفسد عقل الشعب، حين يرى أن الكاذب يُكرّم، والمجتهد يُحارب.

إن محاربة الفساد في السودان لم تعد مجرد مهمة إصلاحية، بل هي معركة وطنية ضد مشروع تضليل وتفكيك وهدم شامل.

🚧 مسؤولية إعادة ضبط البوصلة الوطنية

إن معركة السودان اليوم ليست فقط في ميادين القتال، بل في معركة الوعي الاستراتيجي:

●من نحن؟

●ما مركز ثقلنا؟

●من عدونا الحقيقي؟

●من حلفاؤنا؟

●كيف نقاوم التضليل؟

●وكيف نُعلي منسوب الثقة بين الشعب وجيشه ونُخبه؟

في تجارب دول كأفغانستان، حين ظلّت الإرادة القتالية الشعبية هي مركز الثقل، صمدت رغم سقوط العاصمة، وفي فيتنام كانت السردية الوطنية الجامعة أقوى من آلة الحرب الأمريكية.

أما في فاشر الصمود، فشهدنا أن مركز الثقل يمكن أن يكون شعبًا يقف كتفًا بكتف مع قواته المسلحة… يتبارى أهل المدينة مع الجيش فيمن يسند الآخر أكثر، وفيمن يحرس الروح الوطنية بأكبر قدر من التضحية والولاء.

هنا يصبح الشعب درعًا، والجيش قلبًا نابضًا، وتُولد من رحم المدينة المحاصَرة قوة لا تُقهر.

وكلما استطعنا الإجابة على هذه الأسئلة، اقتربنا أكثر من حماية مركز الثقل الوطني، وإعادة السودان إلى قلب تاريخه… لا هامشه.

🩸 #أصل_القضية

ليست الحرب وحدها من تقتل الوطن… بل الجهل بمركز ثقلنا، والتشويش على بوصلة وعينا، وتسليع الفساد تحت غطاء الوطنية.

السودان لن يُهزم ما دام يعرف من هو، ولماذا وُجد، وأين تكمن نقطة ارتكازه الحقيقية.

فإن أردنا النجاة، فلنبحث عن مركز الثقل… لا في أرضٍ نُحتل، ولا كرسيٍّ يُقتسم، بل في روحٍ لا تُقهر، وقضيةٍ لا تُباع.

> “احموا الحقيقة… فإنها آخر ما تبقّى لنا من السُودان.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى