رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. من سيبكي على السودان… إن لم يبكه السودانيون؟

| من سلسلة الجسر والمورد

طرحتُ على نفسي سؤالًا لم يكتمل… لأنه لم يجد في صدري مكاناً يستقر فيه:

> من سيبكي على السودان… إن لم يبكه السودانيون؟

ظلّ السؤال يتردّد داخلي كلما قلبتُ صفحات كتاب «ماذا يخبئ المستقبل للعالم؟» لريتشارد ن. كوبر.

وبين سطور الرجل التي تحفر في التحولات الدولية العميقة، بدأتُ أسقط المشاهد على خارطة وطني، وأهمس بصوتٍ يشبه العتاب ويشبه الحزن ويشبه الخوف:

وماذا يخبئ المستقبل للسودان… بلدٌ بلا سردية وطنية، وبلا تماسك وعي، وبلا اتفاق على معنى البقاء نفسه؟

العالم يتغيّر… والسودان يتآكل من الداخل

بينما تتسارع القوى الدولية نحو إعادة تشكيل خرائط النفوذ، يعيش السودان حالة نادرة في التاريخ:

– وطنٌ يتعرّض لحرب خارجية بواجهات داخلية.

– مجتمعٌ مأزوم بسرديات متناقضة.

– طبقة سياسية تسبح في فراغ أخلاقي ومفاهيمي.

– جيلٌ كامل فقد المدرسة والشارع والمعنى.

– واستلاب داخلي يتمدد حتى بات الواحد فينا يعيش داخل جسده بجنسية غير جنسية وطنه.

إنّ أخطر ما يواجه السودان اليوم ليس القصف ولا النزوح… بل غياب السردية الجامعة:

تلك القصة التي تقول للأمة من هي، وماذا تريد، وإلى أين تسير.

وما لم نكتب هذه السردية بأنفسنا، سيكتبها لنا الآخرون… ثم يفرضونها علينا بالسلاح، أو بالمال، أو بالركوع.

دموع البرهان… أم دموع السودان؟

قبل أيام، وبين جموعٍ خرجت عفوية تهتف:

“جيش واحد… شعب واحد”

وقف القائد العام للفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان — وبكى.

نعم، بكى. دموعًا لم يستطع حبسها.

ليس لأن الهتاف جديد.

وليس لأن المشهد احتفائي.

لكن… لأن القائد يرى ما لا يراه العامة.

القادة لا يبكون من فراغ.

والبرهان، في تلك اللحظة، لم يكن يبكي لذاته ولا لجيشه، بل للسودان نفسه.

بكى لأنه يعرف — بحكم موقعه واطلاعه على موازين القوى — أن ما يقترب من السودان أعظم وأقسى وأخطر مما يمكن أن تتحمله الجغرافيا أو التاريخ أو الذاكرة.

ربما رأى ما يخشاه الكثيرون:

– إعادة تشكيل الدولة السودانية بالقوة.

– تفكيك الوعي الوطني.

– استبدال الهوية بسرديات مصنوعة.

– تحويل السودان إلى ملعب دائم للصراع الدولي.

دموع البرهان كانت رسالة:

> هناك شيء كبير يقترب… فانتبهوا قبل أن يفوت الأوان

وفي الناحية الأخرى… فراغٌ اسمه أين الحكومة

وبينما يقف القائد العسكري يبكي وطنه، تقف حكومة الأمل في مشهدٍ بلا ملامح:

– لا خطاب وطني.

– لا مشروع دولة.

– لا سردية.

– لا إحساس باللحظة.

وتسأل نفسك:

أين دموع اعضاء الحكومة ؟

أين العلامات التي تشبه القلق؟

أين الإحساس بثقل اللحظة؟

ثم تتذكر الحقيقة:

التمساح لا يبكي.

لأنّ الدموع تحتاج إلى قلب…

والقلب يحتاج إلى انتماء…

والانتماء يحتاج إلى وطن…

والوطن يحتاج أن يكون وطنًا أولاً قبل أن يكون مغنمًا أو برنامجًا أو فرصة.

بين دموع القائد وجفاف الساسة… يضيع السودان

ما لم نفهمه بعد هو أنّ الحرب ليست حرب مدافع، بل حرب وعي وسردية ومعنى.

السودان اليوم أمام مفترق طرق خطيرة:

إما أن نكتب قصته بأنفسنا — عبر وعي جديد، شجاع، نظيف، لا يخضع ولا يخاف.

وإما أن نترك الآخرين يكتبون عنه قصة تبقيه في الهامش، وتبقي أبناءه في المعسكرات، وتبقي مستقبله مربوطًا بمقالب الأمم.

الجسر والمورد… الطريق الأخير قبل السقوط

إنّ رؤية “الجسر والمورد” ليست ترفًا فكريًا، بل هي محاولة لقول الحقيقة كما هي:

أنّ السودان لن ينهض إلا عبر إعادة بناء الوعي الوطني على ثلاثة ركائز:

استعادة السردية الوطنية — قصة واحدة تجمع الأمة لا تمزقها.

تحرير الوعي من الاستلاب الداخلي — من التبعية، من عقد النقص، من فقدان الهوية.

صياغة مشروع استراتيجي للمستقبل — لا يقوده الخوف بل يقوده الفهم.

هذه ليست رفاهيات…

هذه شروط البقاء.

> من سيبكي علينا؟

لن يبكي علينا العالم.

ولن تتوقف المصالح الدولية لأن طفلاً أو شيخا أو أم ماتوا بلا ذنب

العالم لا يبكي… العالم يفاوض.

لا يرحم… بل يحسب.

لا يتعاطف… بل ينتظر مكاسب.

فإن لم نبكِ نحن على بلادنا، وننهض من بكائنا، ونكتب سرديتنا ونبني مشروعنا…

فلا تنتظروا أن يبكي علينا أحد.

#أصل_القضية

إذا كانت دموع البرهان رسالة من قلب الدولة…

فجفاف حكومة الأمل رسالة إلى الفراغ …

فالسؤال الأخير — سؤال النجاة — نوجهه لكل سوداني:

> هل ستبكي على السودان الآن… قبل أن يأتي اليوم الذي لا تجد فيه السودان لتبكي عليه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى