
أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. نفس الدواء… لكن شركة تانية
| من سلسلة الجسر والمورد
في كتابه «البحث عن الوعي»، يقول كريستوف كوتش إن الوعي ليس شيئًا نملكه، بل حالةٌ نبلغها حين ندرك أنفسنا في سياق العالم.
وحين نُسقط هذا المفهوم على الواقع السوداني، ندرك أن وعينا الجمعي أُدخِل عمدًا في غيبوبةٍ مغناطيسية، تُدار بأدواتٍ داخليةٍ تماهت مع الخارج، حتى أصبح الفرد السوداني يرى وطنه كما يريد له العدو أن يراه: هشًّا، متشظّيًا، بلا جيشٍ، ولا ملاذٍ إلا الهروب من المعنى.
لكن المشهد اليوم يعيد نفسه — وكأن الزمن في السودان توقّف عند تلك النقطة التي بدأت قبل خمس سنوات.
ذات النغمات، وذات الشعارات، وذات السماجة في الخطاب.
فهل يعقل أن يكون العدو اكتشف أن الوعي الجمعي السوداني لا يحتاج سوى إلى «ذات اللحن» ليعود إلى النوم؟
أم أننا أمام غيبوبةٍ مصطنعةٍ تواطأت فيها الأدوات الداخلية مع موجّهيها من الخارج؟
إن إعادة تشغيل النغمة ذاتها لتواصل الوعي نومه المغناطيسي، تكشف أن الحرب على السودان — سواء في الميدان أو في الوعي — تُدار بأدواتٍ داخليةٍ تغذّت على الخيانة وبيع الأوطان في سوق النخاسة السياسية.
ومن ثمّ، فإن ظهور المرتزقة لم يكن إلا مرحلة انتقالية: بداية استخدام القوى الدولية لأدواتٍ خارجية بعدما استعصى عليها السودان، وسدّت قواته المسلحة ثغرة الميدان.
وبذلك، يصبح على الشعب أن يسدّ ثغرة الوعي.
ولعلّ في لحظة انبهار الناس بعبارة عبد الوهاب وردي: «هدنة بتاع فنيلتك»، ما يكشف سرًّا دفينًا في كيمياء الوعي السوداني…
فقد انتبه الوعي الجمعي الوطني، وفغر فاه بدهشةٍ حين سمع الإيقاع ذاته الذي كان يُستخدم لتنويمه، يُستعمل هذه المرّة لإيقاظه!
إنها ذات النغمة، لكن من شركة وعي جديدة.
فكأن الدواء نفسه الذي خدّر، صار ترياقًا حين تبدّل الطبيب.
وذلك يعني أن الوعي لم يمت، بل كان منوَّمًا مغناطيسيًا ينتظر من يحرّكه بنغمة الصدق والإلهام.
وهنا تتجلّى المعادلة الحقيقية: إن الإيقاع لا يوقظ الناس، بل النية التي تقف خلف الإيقاع.
فحين ردّ وردي بذات اللغة الشعبية التي اعتادوا سماعها في التلاعب بعقولهم، ارتدت أدوات الوعي المضاد على أصحابها، وبدأت شلالات الوعي تتدفّق من جديد.
أما أولئك الخونة اللئام — أدوات الداخل التي يستخدمها الخارج — فقد أتقنوا باحترافٍ ما يُملى عليهم: يبثّون اليأس في النفوس، ويثبّطون الهمم في وعي المواطنين، ولا يريدون أن يُسمَع صوتٌ سوى ما يخدم أجندتهم، لزيادة معاناة الناس وإقناعهم أن لا سبيل للإصلاح.
يريدون ترسيخ فكرةٍ مسمومةٍ بأن الجيش يقاتل ليحكم فقط، لا ليحمي الوطن.
لكننا نقولها بوضوح:
السودان — أرضًا وشعبًا ووعيًا — أمانةٌ في أعناقنا جميعًا، لا في عنق القائد وحده.
ولهذا، نوجّه رسالتنا إلى رئيس المجلس السيادي القائد العام للقوات المسلحة السودانية:
يا سيادة الفريق أول عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان…
لسنا نعلّق الأمانة في عنقك وحدك، بل نقول لك من عمق الوعي الوطني: نحن قدّامك، ما معاك.
فلست أولى منا بالسودان.
كن لها، ونحسبك أهلًا لها، والله حسيبك.
*باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية









