
أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. هل خذل الشعب جيشه؟؟!!
في لحظة فارقة من تاريخ السودان، لم تكن البنادق وحدها التي تقرر مصير الوطن، بل الوعي الجمعي الذي تراجع، والإرادة التي تكلست، والشعب الذي خذل جيشه حين اختار الصمت أو التواكل بدل الفعل والإعمار.
لم يكن الانهيار نتيجة ضعفٍ في الميدان، بل في المعنى… في روح الانتماء التي أُصيبت بتخدير ممنهج منذ سنوات. فمنذ أن انطلقت التصنيفات “كوز ندوسو دوس” و”معليش ما عندنا جيش”، وحتى “لا للحرب”، كانت تُزرع في الوعي العام ألغامٌ فكرية هدفت لتفكيك وجدان الشعب عن مؤسساته. شعارات جوفاء قُدمت بعبارات الحرية والإنسانية، لكنها كانت حربًا ناعمة على وعي المواطن السوداني، استبدلت حلم النهضة بحشودٍ بلا بوصلة، وأحالت طموحات الأفراد إلى رمادٍ تحت أقدام جماهير مضللة.
واليوم، يحاول ذات المخطط أن يفرغ شعار “جيش واحد.. شعب واحد” من معناه، عبر الطابور الخامس المتغلغل في مؤسسات القرار، والذي يتسلل ببطءٍ سلحفائي عبر البيروقراطية، لتجميد أي قرار يعيد الحياة والإعمار إلى السودان.
يريدون أن يُختزل الوطن في المناطق، وأن تُستبدل الوطنية بالولاءات الضيقة، حتى تصبح ذاكرة المواطن ذاكرة سمكية، تنسى سريعًا من دافع عن أرضها ومن باعها.
ذلكم هو التغيير الديموغرافي المقنع الذي يُراد للسودان: لا بتبديل السكان فقط، بل بتفريغ الأرض من الوعي الذي يحميها. يريدون شعبًا يرضى بـ”العطية”، إن كانت منصبًا أو مكرمة، كما قال الله تعالى: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}.
تلك هي المعادلة التي حوّلت حب الوطن إلى صفقة، والانتماء إلى وظيفة، والسيادة إلى “انتظار قرار”.
لكن السودان، كما علمنا التاريخ، لا يُحكم بالمخططات، بل ينهض بالعزائم. جيشه ما زال هناك، يقاتل ليحفظ الأرض والكرامة، ينتظر من شعبه أن يقاتل معه ولو بالكلمة والموقف والعمل.
فإن كانت الحرب قد كشفت من خان السلاح، فإن مرحلة الإعمار ستكشف من خان الوعي.
إنها لحظة صدقٍ فاصلة:
إما أن نعيد للسودان سيادته بأيدينا،
أو نتركه يُفرغ من أبنائه حتى لا يبقى فيه سوى الأطلال… وذكريات من خذلوا جيشهم.
– باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية





