رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. الجيش السوداني: الرمزية بين الماضي والحاضر

تأتي إحتفالات القوات المسلحة السودانية بعيدها الـ ٧١ ، في هذا العام ليس كأي عام ، حيث إلتقت القدرة العسكرية مع الإرث الثقافي والتاريخي في مشهد يفيض بالرمزية والدلالات. المدرعات، الجنود، والرايات ليست مجرد أدوات عرض، بل لغة استراتيجية تصوغها الدولة لتوجيه رسائل دقيقة إلى الداخل والخارج، في زمن يشهد تحولات هامة في العلاقات السودانية–الأمريكية، ويشكل اختبارًا لقدرة السودان على تحويل القوة الصلبة إلى قوة ناعمة مؤثرة.

أبادماك: إله الحرب والربط الحضاري بالسيادة الوطنية:

الإله أبادماك، حامي الملوك والمجتمعات في الحضارة المروية والنوبية، لم يكن مجرد رمز للقتال، بل كان حارس النظام الاجتماعي والسياسي، وضامنًا لاستمرار الدولة في مواجهة التحديات. تظهر المعابد القديمة أبادماك يحمل السلاح، محاطًا برموز النصر والحماية، لتوضح أن الحرب كانت وسيلة لتحقيق الاستقرار وليس الدمار.

 

اليوم، استحضار هذه الرموز في سياق احتفالات القوات المسلحة السودانية لا يعيد خلق الماضي فحسب، بل يحول الإرث الحضاري إلى رسالة معاصرة: السودان دولة متجذرة في حضارتها، تمتلك القدرة على حماية سيادتها، ويعرف كيف يحوّل القوة إلى أداة للحماية والتنمية.

 

القوة الصلبة تتحول إلى قوة ناعمة:

من منظور نظريات العلاقات الدولية والقوة الناعمة، ما يحدث في عيد القوات المسلحة ليس مجرد عرض عسكري. إنه استراتيجية رمزية ودبلوماسية:

١. إشارة للداخل: الجيش يظهر كحامي للأمن والاستقرار، ما يعزز ثقة المواطنين في المؤسسة العسكرية ويطمئنهم على سيادة الدولة.

٢. إشارة للعالم الخارجي: عبر الانضباط العسكري والرموز الثقافية، يرسل السودان رسالة مفادها أنه يمتلك قدرة متوازنة على إدارة القوة، ما يجعله شريكًا موثوقًا في الاستقرار الإقليمي والدولي.

٣. تعزيز القوة الناعمة: الرموز التاريخية تتحول إلى أدوات دبلوماسية غير مباشرة، تصل إلى الشركاء الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة، في توقيت حساس بعد الاختراق الكبير في العلاقات الثنائية.

رؤية الجسر والمورد: الجسر بين الماضي والحاضر والمستقبل:

وفق رؤية الجسر والمورد، فإن الاستقرار لا يبنى على القوة وحدها، بل على الربط بين الإرث التاريخي، الموارد الرمزية، والموارد الوطنية الاستراتيجية:

●الاحتفال العسكري يصبح جسرًا بين الماضي والحاضر، بين أبادماك والجيش الحديث، ليظهر خطًا متصلًا من القوة المنظمة والرمزية الوطنية.

●هو مورد دبلوماسي واستراتيجي، يعزز موقف السودان في الحوارات الإقليمية والدولية، ويسمح بإرسال رسائل قوية دون تهديد مباشر.

●تحويل القوة الصلبة إلى قوة ناعمة رمزية يساعد على بناء صورة السودان كشريك مستقر ومسؤول، يعكس الحضارة والقوة والمرونة السياسية.

الدلالات التاريخية والسياسية العميقة:

١. استحضار التاريخ: يربط الجيش الحديث بتاريخ طويل من التنظيم العسكري والسيادة، ويؤكد على استمرارية الدولة رغم التحديات.

٢. تعزيز الاستقرار الداخلي: القوات المسلحة ليست مجرد قوة هجومية، بل حامية للنظام الاجتماعي والسياسي.

٣. رسائل دولية واضحة ضمنية: الانضباط العسكري، الرموز الحضارية، والقدرة على حماية السيادة تزيد من مصداقية السودان على المستوى الدولي، خصوصًا بعد التقارب مع واشنطن.

٤. استراتيجية التواصل الرمزي: السودان يستخدم الرموز التاريخية والثقافية لتوسيع نفوذه بالقوة الناعمة، بما يحقق أهدافه الدبلوماسية دون الانجرار إلى صراعات مباشرة.

أصل القضية،،،

عيد القوات المسلحة الـ 71 ليس مجرد احتفال تقليدي، بل مسرح استراتيجي للرسائل الرمزية والتاريخية والسياسية. من أبادماك في المعابد القديمة إلى العرض العسكري المعاصر، يرسل رئيس مجلس السيادة القائد العام رسالة مزدوجة: السودان يمتلك قوة صلبة متجذرة في إرثه الحضاري، ويعرف كيف يحوّلها إلى قوة ناعمة للتأثير الدولي والإقليمي.

اذا نلخص ونقول ، بين السلاح والنقش، بين الماضي والحاضر، وبين القوة الصلبة والناعمة، يبني السودان اليوم جسورًا للمستقبل ويستثمر موارده الرمزية والدبلوماسية لإعادة صياغة دوره الإقليمي والدولي، وفق رؤية الجسر والمورد، كاستراتيجية متكاملة تربط بين الهوية، القوة، والتأثير الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى