
إعفاء برعي.. جدل حول أداء محافظ بنك السودان المُقال
الرأي العام يتساءل: هل تستطيع الدولة السيطرة علي شركات المعادن النافذة لمصلحة خزينة الدولة؟..
القرار جاء في ظل الارتباك النقدي وتراجع الثقة بالسياسات المصرفية.. لكن هل المحافظ وحده هو المسؤول؟؟
تقرير: سودانية ديلي
أُعلن أمس عن إعفاء محافظ بنك السودان المركزي برعي صديق من منصبه، وتعيين آمنة ميرغني حسن التوم ، خلفا له في إدارة المؤسسة الإقتصادية التي ظل أداءها مثار جدل خلال السنوات الماضية.
وأفادت مصادر إعلامية أن القرار جاء على خلفية انفراد المحافظ باتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بالسياسات المصرفية والمالية دون تنسيق مع الجهات المختصة، مما أدى إلى تذبذب حاد في سعر الصرف ومخالفة السياسة النقدية المعتمدة.
كما أشارت المصادر إلى عدم التزامه بنهج السياسة النقدية المرنة، وضعف التنسيق مع وزارة المالية ووزارات القطاع الاقتصادي، وعدم الرؤية الواضحة في تطوير آلية جديدة لتسعير الذهب داخلياً بهدف تقليص الفجوة مع السعر العالمي.
ولعل صراع تصدير الذهب بين البنك المركزي والشركات قد عجل بقرار إعفاء برعي الصديق من منصبه، عقب خلاف حاد نشب داخل اجتماع رسمي بمجمع الوزارات في بورتسودان يوم الأحد، بينه وبين ممثلي الشركات المصدرة للذهب.
وبحسب تسريبات صحفية، فقد غادر المحافظ قاعة الاجتماعات بمجمع الوزارات مغاضباً بعد أن احتدم الخلاف بينه وبين ممثلي الشركات المصدرة للذهب، والذين أصروا على رؤيتهم الرافضة لقرار حصرية تصدير الذهب عبر بنك السودان، وهو الموقف الذي أيده وزير المالية د. جبريل، أن يعود الصادر للشركات، وتقدم رئيس الوزراء د. كامل إدريس بمقترح لتكوين لجنة مصغرة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتباينة في مواقفها.
قرار من العيار الثقيل
واعتبرت الكاتبة وفاء قمر بوبا أن إعفاء محافظ بنك السودان وتعيين آمنة التوم في هذا التوقيت الحرج بالتأكيد خطوة ليست عابرة.. فالجلوس على كرسي هذا المنصب الحساس إشارة رمزية لبداية مرحلة جديدة من الانفتاح والاعتماد على الكفاءات بعيداً عن التوازنات والمحاصصات القديمة… لكن السؤال الجوهري: هل تملك آمنة التوم حرية القرار المالي وقدرتها على تصحيح المسار؟.. أم ستكون امتداداً لذات النهج الذي أوصل البلاد إلى هذا الارتباك النقدي وتراجع الثقة بالسياسات المصرفية؟.. الأسواق والشارع وحدهم من سيكشفان الإجابة خلال الأيام القادمة.
دعوة لكشف الحقائق
أما الناشطة رؤى صلاح الدين اعتبرت الإقالة عقب خلافات حادة مع الشركات المصدرة للذهب بسبب قرار حصر تصدير الذهب عبر بنك السودان فقط بأنها حرب ثروة وسلطة.. داعية لكشف الحقائق كاملة، ومحاسبة من يقف خلف هذا الإعفاء إذا ثبت أنه تم لإرضاء مصالح خاصة… “لا صمت بعد اليوم على من يبيع الذهب ويشتري الصمت.”
الجاكومي: برعي لم يخسر
أما محمد سر الختم الجاكومي فقد علق على إقالة محافظ بنك السودان، بالقول: خسرت الدولة السودانية ولم يخسر برعي الصديق.. برعي خريج إقتصاد الخرطوم الذي تعين بعد تخرجه في بنك السودان وتدرج في الوظائف وعمل بكل إدارات البنك المركزي لقرابة الأربعين عاماً، هو الاكفاء بلا شك وهو الحافظ للوحه دون الحوجة لمستند او حتي مراجعة ما يطرح عليه من أمر إن كان في البنك المركزي او احد البنوك التجارية.. برعي الذي ادار البنك المركزي في فترة بالغة الصعوبة والدقة من عمر الدولة السودانية في ظل عجز المالية عن توفير الموارد والبدائل لمجابهة الحرب… استطاع ان يسهم البنك المركزي في صناعة الاستقرار وعصم البلاد من الانهيار ولكن لأن لكل أجل كتاب.. مغادرته لموقع المحافظ اتت في الوقت الخطأ ومن يخلفه لن يكون بكفاءته.
قرار متأخر
اما الخبير الاقتصادي قاسم الظافر فقد كانت له وجهة نظر مغايرة معتبرا أن إقالة محافظ بنك السودان المركزي قد تأخرت.. وأن الإقالة بهذه الكيفية يعتبر تسهيل لمهمة الإفلات من المساءلة والتحقيق حول كثير من الأخطأ الجسمية التي إرتكبها، وتجاوز متعمد لكل ما ترتب على قراراته وسياساته النقدية المضطربة من أضرار علي الاقتصاد السوداني.. إبتداءً من عدم إفصاح بنك السودان المركزي حتي الآن وبصورة رسمية وشفافة عن تقرير حجم الأضرار التي لحقت بمخزونات البنك وأصولة (الذهب) واحتياطاته النقدية من العملات الأجنبية.
ثانياً.. سوء الإجراءات الإدارية التي صاحبت عملية إصدار وطباعة العملة الجديدة، مع عدم أخذ التدابير اللازمة لحماية وإدارة الكتلة النقدية خصوصاً بعد تعرض القطاع المصرفي للنهب والسلب الممنهج. (ظلت ومازالت قوات الدعم السريع تستخدم العملة الوطنية المنهوبة في تمويل أنشطتها اليومية، فضلاً عن عمليات اغراق الأسواق المحلية بالعملة المزورة أثرت بصورة كبيرة في أضعاف العملة الوطنية).
أخيراً.. سياسة إحتكار الذهب لبنك السودان دون إيجاد بدائل آليات تسعير وتشغيل واضحة وما نتج عنها من أضرار جسيمة علي الاقتصاد السوداني، تتمثل في؛ تحويل دور بنك السودان من كونه مراقب ومنظم إلى كونه فاعل تجاري، إنخفاض إرادات الدولة، خلق سوق موازي، زيادة نسب التهريب.. الخ
وأصاف الظافر: هذه نماذج فقط لسوء تدبيره وادارته، برعي كان سيئاً طوال فترة تواجده كمحافظ للبنك المركزي، وساهم من خلال ممارساته التخريبية بصورة كبيرة في عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي للبلاد.. وما زال هنالك آخرون (خصوصاً في وزارات القطاع الاقتصادي) ليسوا بأقل ضراراً من برعي..
تمسك بالرؤية السليمة
واعتبر أ. د. أبوبكر محمود أحمد إسماعيل الاستاذ بالجامعات السودانية أن “عصابات الذهب” ربما تجد في القرار مرتعاً خصِباً لها لتحقيق مآربها الشخصية.
واعتبر إسماعيل أن تمسَّك محافظ بنك السودان المُقال بالرؤية السليمة للدولة بأن يظل مورد الذهب تحت ولاية بنك السودان كمورد قومي، بينما سعي اصحاب الشركات الخاصة ومن ناصرهم من بعض الشخصيات المهمة للكسب الشخصي فوق مصلحة الدولة، وربما نجحوا في ذلك.
وعن ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني، قال إن ليس بسبب سياسات محافظ بنك السودان، بل سببه ضعف آليات المراقبة والمتابعة، وربما مشاركة بعض العناصر النافذه في عمليات المضاربة والتهريب واستغلال النفوذ، مما أدي التي إنهيار الدولار.
متساءلا: هل سينجح محافظ بنك السودان الجديد في السيطرة علي الذهب كمورد قومي؟.. وما هي صلاحياته المرتقبة وعلاقته بوزارة المالية؟.. وهل ستستطيع الدولة السيطرة علي شركات المعادن النافذه لمصلحة خزينة الدولة؟..
إشارة قوية للإصلاح
وأشار محمد الخاتم مأمون إلى أن قرار إعفاء محافظ بنك السودان المركزي برعي الصديق ليس مجرد تغيير شخصي، بل إشارة قوية إلى أن الإصلاح لم يعد خيارًا بل ضرورة.. هذا القرار يحمل في طيّاته فرصة لإعادة بناء الثقة بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، ولإعادة ضبط السياسات النقدية بما يخدم المواطن أولًا. وأكد أنه إذا تم اختيار خليفة كفؤ، مستقل، عارف بآليات الاقتصاد الكلي، وملتزم بالشفافية والتنسيق المؤسّسي، فربما نكون عند مفترق لإنقاذ الجنيه السوداني وكبح التضخم وتوجيه عوائد الذهب لصالح التنمية.. ولكن الفرصة لن تستمر إن لم يرافقها إرادة إصلاحية حقيقية، ومحاكمة للفساد، وسياسات واضحة في التعامل مع الذهب والتصدير.
“فلنراقب عن كثب شخصية المحافظ القادم، ولنجعل من هذا القرار نقطة انطلاق نحو اقتصاد أقوى ومستقبل أفضل للمواطن السوداني”.