رأي

اتفاقية إعادة جدولة ديون تمتد لـ 25 عامًا.. صندوق النقد العربي يعود بقوة إلى السودان

بقلم: أبوعبيده أحمد سعيد محمد saeed.abuobida5@gmail.com

شهدت وزارة المالية السودانية منعطفًا اقتصاديًا مهمًا بعد توقيع اتفاقية جديدة لإعادة جدولة مديونية السودان لصندوق النقد العربي، في خطوة تهدف لتخفيف الضغط على الخزينة العامة ودعم الاقتصاد بعد سنوات الحرب. الاتفاقية وقعها وزير المالية د. جبريل إبراهيم، بينما مثّل الصندوق الدكتور فهد التركي، المدير العام ورئيس مجلس الإدارة، مانحًا الخرطوم فترة سداد تمتد إلى 25 عامًا، وهو متنفس حيوي للاقتصاد السوداني المثقل بالديون وانكماش الإنتاج.

الصندوق شريان تمويل أساسي

أظهرت بيانات التمويل الخارجي أن صندوق النقد العربي كان الركيزة الأساسية لدعم السودان في سنواته الحرجة. ففي 2018، شكلت مساهمة الصندوق 238.6 مليون دولار من إجمالي 284.1 مليون دولار قروض ومنح، أي ما يعادل 84% من حجم التمويل الكلي، مسجلة ذروة الدعم المالي الخارجي. أما في 2017، فقد ساهم الصندوق بما يقارب 43.6 مليون دولار من أصل 182.7 مليون دولار، أي 23.8% فقط، ما يوضح تصاعد دوره كممول استراتيجي قبل أن تتراجع التدفقات مع تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية.

مؤشرات الدين الخارجي: عبء يفوق قدرة الاقتصاد

تكشف التقارير الرسمية عن أزمة مالية حادة في السودان، إذ تجاوز الدين الخارجي خلال عامي 2020 و2021 كل الحدود المقبولة دوليًا. فقد بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 88.2% في عام 2020، قبل أن تقفز إلى 200.8% في عام 2021، بينما الحد المعياري العالمي لا يتجاوز 30%.

أما نسبة الدين إلى إجمالي الصادرات، فقد وصلت إلى 2,030% في عام 2020، و1,444.9% في عام 2021، مقابل معيار عالمي 100%، ما يعني أن إيرادات الصادرات لا تكفي لتغطية جزء بسيط من الالتزامات. وعلى مستوى الإيرادات الحكومية، تجاوزت نسبة الدين 1,575.5% في عام 2020 و1,517.4% في عام 2021، بينما الحد المعياري العالمي هو 200%، ما يعكس حجم الضغوط المالية الهائلة على الموازنة العامة.

الحرب زادت الوضع سوءًا

لم تتشكل الأزمة بمعزل عن التطورات السياسية، إذ جاءت الحرب لتفاقم الوضع الاقتصادي بشكل غير مسبوق. توقف النشاط الإنتاجي، انهيار سلاسل الإمداد، وتدمير البنية التحتية أدت إلى تراجع حاد في الإيرادات الحكومية والصادرات، في حين ارتفع الإنفاق الطارئ والأمني. هذا السيناريو حوّل الأزمة المالية إلى أزمة اقتصادية شاملة أثرت على العمالة والاستثمار وأسعار السلع الأساسية، ما جعل الحاجة إلى إعادة جدولة الديون أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

لماذا الاتفاقية خطوة محورية؟

اتفاقية إعادة الجدولة تحقق عدة مكاسب استراتيجية:

• تخفيف الضغط السنوي على الموازنة

• منح فترة زمنية لتوجيه الموارد نحو الإنتاج

• تجنب التعثر في السداد

• إعادة بناء الثقة بين السودان والمؤسسات المالية العربية

الاتفاقية لا تلغي الدين، لكنها تعيد ترتيبه بطريقة يمكن تحمّلها، مانحة الاقتصاد فرصة للتنفس والعودة التدريجية إلى الاستقرار.

لحظة حرجة وفرصة للنهوض

تأتي الاتفاقية في لحظة حرجة، حيث تتقاطع أزمة الدين مع آثار الحرب والانكماش الاقتصادي. الأرقام والنسب تشير بوضوح إلى أن البلاد كانت بحاجة لهذا التنفس المالي، وأن دعم المؤسسات العربية قد يمهّد لمرحلة جديدة من التعافي والنمو، إذا ما رافقته إصلاحات اقتصادية وإنتاجية تعيد بناء القدرة على السداد والاستدامة.

نسأل الله أن يعم السلام ربوع بلدنا السودان، وأن يسدد ديونه الخارجية، ويعيد له الأمن والاستقرار والرخاء..

قولوا آميين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى