رأي

السودان بين حرب الكرامة وحرب التضخم

بقلم: أبوعبيدة أحمد سعيد محمد saeed.abuobida5@gmail.com

“التضخم عدو خفي، إنه حرب بلا بنادق على استقرار الشعوب” – ريتشارد نيكسون.

في 10 أبريل 2025 أصدر البنك الدولي تقريره عن السودان، وجاءت الأرقام لتكشف حجم التحديات:

• عدد السكان بلغ 49.4 مليون نسمة.

• أكثر من 19.3 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر (إنفاق أقل من 3.65 دولار يوميًا).

• متوسط الأعمار عند 65.6 سنة.

• معدلات التضخم ارتفعت وهبطت بشكل متقلب: 164.2% عام 2022، ثم انخفضت إلى 65.8% في 2023، لكنها قفزت مجددًا إلى 170% في 2024، مع توقعات بالهبوط إلى 89.4% في 2025، ثم 33.1% في 2026.

هل التراجع في معدلات التضخم حقيقي أم خداع بصري؟

هنا يبرز السؤال: هل التراجع المتوقع يعكس عودة الإنتاج؟ أم أنه مجرد تباطؤ اقتصادي شبيه بعام 2023، حين توقفت الأسواق وتراجع النشاط، فبدا التضخم أقل لكنه في الحقيقة كان انعكاسًا للركود؟

الفرق جوهري: فالتراجع في معدلات التضخم الناجم عن زيادة الإنتاج وتوفر السلع يعني تعافيًا حقيقيًا، أما الانخفاض الناتج عن ركود وضعف السيولة فهو مجرد هدوء زائف يخفي أزمة أعمق.

أنواع التضخم بلغة بسيطة

لفهم طبيعة الأزمة لا بد من تبسيط مفهوم التضخم وأنواعه:

1. التضخم الزاحف: زيادات بطيئة في الأسعار يمكن التعايش معها.

2. التضخم الجامح: ارتفاع سريع وملحوظ يربك الأسر والأسواق.

3. التضخم المفرط: فقدان شبه كامل لقيمة العملة.

4. التضخم الركودي: الأخطر، حيث ترتفع الأسعار في ظل توقف الإنتاج وضعف فرص العمل.

وما يعيشه السودان اليوم هو شكل من التضخم الركودي، حيث الأسعار تتصاعد بلا توقف بينما عجلة الإنتاج شبه معطلة.

حرب الكرامة وحرب التضخم

اليوم، بينما القوات المسلحة السودانية ومعها القوات المشتركة والمستنفرون والقوات النظامية الأخرى يخوضون حرب الكرامة في الميدان دفاعًا عن الأرض والسيادة، فإن على مجلس الوزراء والطاقم الاقتصادي لحكومة الأمل أن يخوضوا معركتهم الخاصة ضد التضخم.

فالمعركة في الأسواق لا تقل أهمية عن المعركة في الجبهات، لأن حماية الحدود ووحدة تراب الوطن لن تكتمل دون حماية قوت المواطن واستقرار حياته.

خطة عاجلة لمحاربة التضخم

حتى يكسب السودان هذه الحرب الاقتصادية، لا بد من خطة عملية تقوم على:

1. ترشيد الإنفاق الحكومي:

. خفض الصرف غير الضروري لأن البلاد تعيش في ميزانية حرب.

*.* تقليص البعثات الدبلوماسية الخارجية والإنفاق عليها بما يتناسب مع المرحلة.

2. إحياء الإنتاج المحلي:

*٠* دعم الزراعة والصناعات الغذائي لزيادة المعروض

*.* تشجيع المنتجين المحليين خاصة المشاريع الزراعية وتقليل الاعتماد على الواردات.

3. السيطرة على السياسة النقدية:

*٠* وقف طباعة النقود بلا إنتاج حقيقي.

*٠* ضبط سعر الصرف وربطه بالإنتاج والصادرات.

4. إصلاح المالية العامة:

*٠* زيادة الإيرادات بطرق عادلة مثل الضرائب التصاعدية على الأنشطة المربحة.

*٠* خفض العجز عبر إعادة ترتيب الأولويات.

5. ضمان الاستقرار السياسي والأمني:

*٠* فلا تعافٍ اقتصاديًا بدون بيئة آمنة تعيد الثقة للمواطن والمستثمر معًا.

الخلاصة

التضخم في السودان لم يعد مجرد رقم اقتصادي، بل صار حربًا خفية تهدد استقرار المجتمع مثلما تهدد الحرب المسلحة استقرار الوطن. وكما قال نيكسون: “التضخم عدو خفي يقوّض الاستقرار”، فإن السودان اليوم أمام معركتين متوازيتين:

• حرب الكرامة في الميدان،

• وحرب الاستقرار الاقتصادي في الأسواق.

والنصر فيهما معًا هو الطريق الوحيد نحو مستقبل آمن ومستقر للسودانيين في وطنهم الحبيب السودان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى