
المؤسسات العدلية بالخرطوم.. إرادة الحضور وموانع الغياب
ازدادت البلاغات المتعلقة بإنتهاكات المليشيا بينما هنالك تناقص وانخفاض في معدلات الجريمة والبلاغات الجنائية
الشرطة تسلمت مواقعها تدريجيا والمواطنون بدأوا في تقديم بلاغاتهم
بدء إعادة تأهيل مقار المحاكم واستئناف عمل التوثيقات وسجلات الأراضي
تقرير/ عبد الله بشير
بعد إعلان ولاية الخرطوم خالية من تواجد مليشيا الدعم السريع، اتجهت الأنظار إلى مثلث العدالة (الشرطة/ النيابة/ القضاء) التي يعتبر وجودها ضروريا بالتزامن مع بدء عودة المواطنين للولاية، خاصة فيما يتعلق بالإنتشار الأمني ورد الحقوق إلى أصحابها ومنع أخذ القانون بالقوة.
في أبريل الماضي، شرعت قوات الشرطة في تنفيذ مصفوفة الإنتقال لولاية الخرطوم ومباشرة مهامها من عاصمة البلاد، تنفيذاً لتوجيهات المجلس السيادي ومجلس الوزراء بممارسة الحكومة الأتحادية لمهامها من ولاية الخرطوم.
وفي تصريح للعميد فتح الرحمن محمد التوم الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة أوضح أن الشرطة باشرت مهامها الأمنية والقانونية والخدمية من خلال مصفوفة زمنية تشمل 5 مجموعات للإنتقال من ولاية البحر الأحمر. بدأت بهيئة تأمين المرافق، قيادة قوات الإحتياطي المركزي، والتوجيه والخدمات، التدريب، المباحث الجنائية المركزية، الشرطة المجتمعية، تلتها مجموعة ضمت الجوازات والسجل المدني، الإمداد، المرور، مكافحة المخدرات، مباحث التموين وحماية المستهلك، الاتصالات وتقانة المعلومات والإدارة العامة للحدود، ليستمر إنتقال بقية المجموعات تباعا.
وأشار العميد فتح الرحمن إلي أن الشرطة تهدف من هذه الخطوة للإنتقال السريع للولاية لتساهم في عمليات تحقيق الأمن والإستقرار وبسط هيبة الدولة وسيادة حكم القانون وتأمين المواقع الإستراتيجية المهمة وممتلكات المواطنين وتقديم الخدمات الشرطية الأساسية بجانب المساهمة في جهود تطبيع الحياة المدنية وتامين العودة الامنة لمواطني الولاية لديارهم.
وأحكمت الشرطة السيطرة الأمنية بولاية الخرطوم بعد أن تم تحريرها من مليشيا الدعم السريع المتمردة ومباشرة مهامها من قلب العاصمة الخرطوم.
وأوضح وزير الداخلية الفريق خليل باشا سايرين مشاركة قيادات الوزارة في اجتماع لجنة تنسيق شئون الخرطوم لمعالجة الاشكاليات التي تعاني منها العاصمة بسبب الحرب، وتدشين برنامج عودة مؤسسات الدولة للعاصمة الخرطوم، باعتبار ان وزارة الداخلية رأس الرمح في برنامج العودة والمشاركة في تهيئة البيئة المناسبة من خلال الانتشار الشرطي الواسع لاستتباب الأمن ومكافحة الظواهر السالبة، بالإضافة الى المشاركة في عمليات دفن الجثث، وإزالة الانقاض، ونزع الالغام والمتفجرات، وأعمال إصحاح البيئة بالتعاون والتنسيق مع الجهات ذات الصلة، مشيرا خلال مؤتمر صحفي ببورتسودان إلى تشغيل الأقسام الجنائية بنسبة 91%، مضيفا أن زيارتهم لولاية الخرطوم نجحت في تحقيق أهداف الوقوف ميدانيا وتحديد الإحتياجات الفعلية لمباشرة مهام الوزارة.
تم توظيف كل القوات لعمليات التأمين في هذه المرحلة، وإعادة تشكيل ألية حماية المواطنين، كما استمرت مهام لجنة رصد المتعاونين مع مليشيا الدعم السريع وتقديمهم للعدالة.
أصبحت مسؤولية الأمن في كل ولاية الخرطوم على عاتق قوات الشرطة وتم سحب ارتكازات القوات المسلحة في كثير من المواقع واستلمت الشرطة مواقعها ونصبت ارتكازاتها في كل الشوارع. وصدرت توجيهات المواطنين بضرورة التوجه لأقسام الشرطة وتقديم بلاغاتهم ومتابعتها إلكترونيا أو من داخل أقسام الشرطة وضرورة الابلاغ عن أي متعاون أو مجرم ما زال متخفيا داخل الأحياء.
يأتي ذلك بعد ان وضعت الشرطة يدها على كمية كبيرة من المنهوبات والمركبات، داعية المواطنين إلى التوجه الى الأقسام ومعاينة مفقوداتهم والتعرف عليها وإحضار الشهود واستلامها.
ومع العودة المتزايدة للمواطنين وتفقد منازلهم فقد ازدادت البلاغات المتعلقة بإنتهاكات المليشيا بينما هنالك تناقص وانخفاض في معدلات الجريمة والبلاغات الجنائية بعد الإنتشار الكبير لقوات الشرطة.
وكشف مدير جنايات شرطة ولاية الخرطوم عن تكوين لجنة هندسية لمراجعة كل مواقع خدمات الجمهور التي دمرتها المليشيا المتمردة كما تم ادراج كل بلاغات المركبات المفقودة في قاعدة بيانات الإنتربول وتم إستعادة بعض المركبات من دول مجاورة وبعيدة.
موضحاً ان رؤية الشرطة واضحة في التعامل مع الأجانب وذلك عبر انشاء مواقع ومعسكرات خارج المدن بالتنسيق مع معتمدية اللاجئين والمنظمات الأخرى ولابد من تطبيقات القانون مع الأجانب واصدار تصاريح وبطاقات اقامة وحصر.
النيابة العامة.. عودة تتحدى التدمير
من أكبر معيقات عودة النيابة العامة لممارسة مهامها بصورة كاملة هو الضرر الكبير الذي برج النيابة العامة بشارع الجمهورية، كما تعرضت مقار نيابات قطاعات مدن الخرطوم وأم درمان وبحري لأضرار متفاوتة. ووجّه النائب العام بالإسراع في عمليات تأهيلها لإعادة العمل بها في أقرب وقت ممكن. كما أصدر توجيهاً لأعضاء النيابة المنتسبين لنيابات ولاية الخرطوم بالاستعداد للعودة إلى مواقع عملهم. وعقد اجتماعاً مطولاً مع أعضاء النيابة بالولاية، استمع خلاله إلى تنوير حول سير العمل والمعوقات التي تواجههم، لاسيما القضايا المتعلقة بالجريمة المنظمة، كما عقدت رئاسة النيابة اجتماعات بمدينة بورتسودان أكدت خلاله أهمية تعزيز بيئة العمل.
حاليا في مدينة الخرطوم باشرت نيابة الكلاكلات عملها رغم ظروف غياب الكهرباء وبدأت في تلقي العرائض من المواطنين المتعلقة ببلاغات فقدان الممتلكات بصفة خاصة السيارات، وبحسب إفادات مواطنين بمحلية الخرطوم لـ(اتجاهات الرأي العام) فإنهم لجأوا لعمل عرائض الفقدان بنيابة أمدرمان وسط لسهولة وسلاسة الإجراءات وعدم وجود إزدحام.
ويلاحظ أن النيابات بمناطق أمدرمان قد باشرت عملها خاصة في المناطق التي ظلت بمنأي عن مليشيا الدعم السريع
المتمردة.
وبحسب تصريحات لوالي الخرطوم أحمد عثمان حمزة فإن الولاية تحتاج إلى تكييف قانوني للتعامل مع المسروقات التي تم ضبطها.
وقال النائب العام أنه رغم الحرب فإننا قمنا بفتح العديد من النيابات في ولاية الخرطوم عقب الانفتاح الاخير وتحرير أغلب مناطق الولاية مما يؤكد أن الحرب لن تؤثر على سير العدالة. ورحب بعودة السجون لولاية الخرطوم للعمل لمعالجة تكدس المتهمين في الحراسات.
ودعا النائب العام سلطات الولاية بالتعامل مع المسروقات المضبوطة وفقا لقانون الإجراءات الجنائية، وإعلان أصحابها وتحديد مدة معينة لاستلامها. وشدد على منع تصدير اي نحاس او حديد خردة الا عبر النيابة المختصة وتوجيه تهمة الثراء الحرام لكل شخص توجد بحوزته.
مؤسسات القضاء.. بدء التأهيل
بدأت عدد من المحاكم بولاية الخرطوم في صيانة مقارها توطئة لإستئناف عملها.
وكان رئيس القضاء مولانا عبدالعزيز فتح الرحمن قد تفقد مقار السلطة القضائية بالخرطوم وعدد من المحاكم ورئاسة قضاء ولاية الخرطوم. ووقف على حجم الدمار الذي لحق بمؤسسات القضاء على يد المليشيا المتمردة من حرق المستندات القضائية والسجلات وسرقة الاثاثات وكوابل الكهرباء.
ودعا رئيس القضاء كافة القضاة المتواجدين خارج البلاد بالعودة لممارسة عملهم بالمحاكم، وبشر رئيس القضاء أن زيارته لولاية الخرطوم ستكون إنطلاقة للعملية القضائية لاحقاق الحق وبسط العدالة.
منذ أواخر العام الماضي اهتمت الأجهزة القضائية بإعادة تأهيل مقار المحاكم التي تم تدميرها بواسطة مليشيا الدعم السريع المتمردة في حربها ضد الدولة السودانية.
وقام وفد الجهاز القضائي بزيارة لولاية الخرطوم برئاسة رئيس إدارة المحاكم ونائبه ومسجل عام الأراضي لجمهورية السودان. وجاء قرار السلطة القضائية بإستئناف عمل دائرة التوثيقات وسجلات الأراضي بولاية الخرطوم الذي يأتي متسقاً مع سياسة الجهاز القضائي لإعادة عمل المحاكم بولاية الخرطوم، وتسهم هذه العودة في فض النزاعات العقارية والعمل على منع التزوير في المستندات الرسمية لملكية الأراضي. كما أن السلطة القضائية اتخذت عن عدد من التدابير لمنع التزوير مستقبلا مع حوسبة جميع المعاملات وارشفتها اكترونيا.
وفي هذا الصدد جاء قرار حكومة ولاية الخرطوم خلال فترة سابقة بإيقاف جميع التعاملات في بيع وشراء الأراضي منعاً لأي تلاعب في العقارات الخاصة بالمواطن.
في الوقت الذي ينساب فيه العمل بمجمعات المحاكم العاملة في محلية كررى، بدأت الآليات لإعادة إدخال المحاكم المعطلة في بحري وأم درمان، خاصة في ظل الأضرار في محكمة الدروشاب والحلفايا ومجمع محاكم السوق الشعبي أم درمان ومكتب تسجيلات الأراضي، وهو ما يتطلب تقييم حجم الضرر والشروع في الصيانة المطلوبة.
وفي الخرطوم زاول العاملون بمجمع محاكم الكلاكلة العمل خلال الأيام الماضية.
وقامت عدد من المحاكم خلال الفترة الماضية بإصدار أحكام مختلفة في مواجهة متعاونين ومتخابرين مع مليشيا الدعم السريع المتمردة من بينهم أجانب، وذلك أسوة بمحاكم الولايات التي بدورها أصدرت أحكاما مختلفة شملت السجن والإعدام في مواجهة المتعاونين مع المليشيا، بعد التوجيهات لكافة وكلاء النيابة في الولايات تلقي شكاوى المواطنين والشركات دون التقيد بدائرة الاختصاص.
نقلا عن مجلة اتجاهات الرأي العام