
حرب اللا معقول تنتقل من السودان إلى الإقليم
عبد الله بشير
يمكن القول أن نيران حريق السودان قد امتد لهيبها بالفعل ليمسك في أطراف عباءة الأمن الإقليمي، وهو ما تم التحذير منه منذ بدء الحرب في الخرطوم في أبريل 2023.
فالأوضاع الإقليمية معقدة إلى درجة كبيرة وقضاياها تتشابك وتتداخل في كثير من الملفات، والأمن الداخلي لدول الإقليم أصبح مرتبط بدرجة كبيرة بملفات الخارج..
الآن يحصد العالم المتفرج والإقليم غير المبالي نتيجة التباطؤ والتأخر في حسم حرب السودان، والتي أخذت عدة أطوار بدءا بمهاجمة المدن والولايات ابتداء من العاصمة الخرطوم وغرب دارفور وبعض ولايات الوسط التي نجحت القوات المسلحة السودانية في استعادتها، ثم أخذت هذه الحرب في التوسع بتواطؤ مكشوف من قوى إقليمية ودولية بمشاركة مرتزقة عرب الشتات وجنوب السودان والمقاتلين المتقاعدين في كولمبيا لتعويض فاقد مقاتلي مليشيا الدعم السريع الذين خسرتهم المليشيا والأذرع المحركة لها خلال المعارك.
في الآونة الأخيرة زادت وتيرة الإحساس بالخطر لدى عواصم الإقليم، فمصر رسمت خطوطها الحمراء خلال زيارة البرهان إليها مؤخرا مؤكدة إنه لا يمكن السماح بتجاوزها أو التهاون بشأنها، باعتبار أن ذلك يمس مباشرة الأمن القومي المصري، الذي يرتبط ارتباطا مباشرا بالأمن القومي السوداني”.
وأكدت القاهرة أن الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني -من أهم هذه الخطوط الحمراء- بما في ذلك عدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان.
كما جددت الرئاسة المصرية رفضها القاطع لإنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه.
وتزامنت هذه التصريحات المصرية مع ورود تقارير عن مخطط لإنشاء معسكر تدريبي عسكري كبير لتدريب عناصر المليشيا في ولاية بني شنقول بالقرب من الحدود السودانية. ويأتي هذا التطور في سياق تصاعد النفوذ العسكري الإماراتي في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
ووفق المصادر، يصمم المعسكر لاستيعاب نحو 10 آلاف مقاتل بمشاركة وحدات قوات الدفاع الوطني الإثيوبية (ENDF) في إعداد البنية التحتية العسكرية.
ومعروف أن أي اختلال في موازين القوى أو تغيير شكل التحالفات التقليدية من شأنه أن يلقي بظلال سالبة في ملف مياه النيل الذي يمثل قنبلة موقوتة بين القاهرة وأديس أبابا، الذي تحرص مصر عن النأي به عن التصعيد العسكري رغم تأكيداتها أن جميع الخيارات موضوعة على طاولة القرار.
وتشير تطورات الساعات الماضية أن جنوب السودان بات على أعتاب مواجهة يتجنب خوضها على حدود السودان مع مقاتلي المليشيا المتحالفين مع الجماعات المحلية المناوئة لحكومة جوبا.
ومع ورود الانباء عن حدوث مواجهات بالفعل في منطقة هجليج الغنية بالنفط وسقوط قتلى وجرحى فيها، إلا أن مصادر صحفية وصفت ما جرى بالتوتر الحاد بين المليشيا والقوات الجنوبية الموكل لها حماية حقول النفط في المنطقة. لكن المصادر أكدت أن قوات المليشيا وجيش جنوب السودان، اختلفا على السيطرة على المنطقة، وحذّرت من احتمالات حدوث مواجهة عسكرية بين الطرفين.
وعلى هذا فإن الإتفاق الثلاثي الذي أعلنته جنوب السودان، والذي قالت أنه قضى بتولي “الجيش الشعبي” حماية المنشآت في حقل هجليج بولاية غرب كردفان، هذا الاتفاق على ما يبدو لن يصمد أمام مطامع ومطامح القوى الإقليمية الساعية إلى السيطرة على الموارد.
ويقرأ ذلك مع نشر تقارير عن عودة المرتزقة الجنوب- سودانيين “وقوامهم من قبيلة النوير” للقتال مع المليشيا بعد الإنسحاب في يوليو الماضي .. عادوا بعد أن تمت الموافقة على إمدادهم بالمزيد من المال والسلاح.. وتتحدث التقارير عن أن قوات ما يُعرف بـ“الجيش الأبيض” المناوئ لجوبا أوقفت عملياتها في مناطق الناصر والاستوائية والوحدة، والتحقت بكامل تشكيلاتها بمليشيا الدعم السريع بغرض إعادة التجهيز، تمهيداً لشن هجمات مباشرة على دولة جنوب السودان، في سابقة تمثل تهديداً صريحاً للأمن الإقليمي.
-نتابع-





