
خارج السيطرة/ مبارك عبد الوهاب.. الأخلاق السودانية.. ومحنة المؤسسات
Out of Control
خارج السيطرة/ مبارك عبد الوهاب.. الأخلاق السودانية.. ومحنة المؤسسات
في زمن المحن، تتمايز الشعوب بمعادنها، ويظهر جوهر الإنسان في سلوكه لا في خطابه. والسوداني، بطبعه وتاريخه، مشهود له بالشهامة والكرم والصبر والمروءة. لكن، وبينما لا تزال هذه القيم حيّة في الشارع والبيت والمجتمع الأهلي، فإن المؤسسات العامة في بلادنا تمضي في اتجاه آخر تمامًا، حيث التردي أصبح السمة الغالبة، والانهيار الخُلقي يزاحم الانهيار الإداري في كل زاوية.
أدخل أي مؤسسة خدمية، فستُقابل أولاً بطابور طويل، ثم موظف متجهم، ثم إجراءات متشابكة لا هدف منها إلا إرهاق المواطن واستنزاف وقته. مشاهد الزحام في مباني خدمات الجمهور، والبطء المتعمد في البنوك، والمعاملة الفوقية التي يتلقاها المواطن البسيط، صارت نمطًا يوميًا، وكأن المؤسسات أُنشئت لتعذيب الناس لا لخدمتهم.
الأدهى من ذلك أن بعض الموظفين يتعاملون مع مواقعهم كامتياز شخصي لا كأمانة عامة، فيمارسون الواسطة، ويتباطؤون في أداء واجبهم، ويستغلون حاجة الناس لفرض “علاقات” أو مكاسب. وما لا يحتاج أكثر من دقائق، يُؤجل بالساعات، وربما الأيام، في مشهد لا يليق بدولة تحترم مواطنيها.
المستشفيات كذلك، تترنح تحت وطأة الإهمال ونقص الكوادر، وتردي الخدمات. مشاهد الألم في ممراتها لا تتطلب ميزانية لتُحل، بل ضميرًا حيًا وإدارة جادة تحترم إنسانية المريض.
نحو استعادة الروح
إذا أردنا بناء وطن يليق بنا، فلا بد من إعادة ترميم البيئة الوظيفية من الداخل، أخلاقًا قبل أنظمة. لا إصلاح دون زرع الضمير في مؤسسات الدولة، ولا نهوض إن استمر الموظف في رؤية المواطن خصمًا لا صاحب حق. التغيير يبدأ من العقلية، من احترام الوقت، من ثقافة “كيف أساعدك؟” بدل “شنو جابك هنا؟”.
لا نطلب معجزات، فقط نريد مؤسسات تحترمنا، وتُعاملنا كبشر. فإن كنا نُباهي بأخلاق شعبنا، فلنُجسدها في مؤسساتنا، وننقلها من حكايات التراث إلى واقع نعيشه. فبغير ذلك، سنبقى واقفين على حافة الوطن… ننتظر.