
صولات في أم صميمة.. وجولات في نيويورك
عبد الله بشير
انتصارات القوات المسلحة والقوات المساندة في معارك كردفان والضربات التي توجهها للمليشيا في دافور أعطت بعدا خاصا لتحركات رئيس الوزراء د. كامل إدريس ووفد السودان المشارك في اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك.
جاءت قوة الموقف الدبلوماسي متزامنة مع قوة الموقف الميداني.. وتم إغلاق باب التسويات الفطيرة التي تحاول جماعات المصلحة أن تسوق السودان إليه، ظنا منها أن الحكومة والمكتوون بنيران الحرب سيبحثون عن سلام بثمن بخس على حساب الكرامة والسيادة السودانية.. إذن فاستعادة أم صميمة في كردفان والزحف نحو الخوى واستمرار توجيه الضربات الموجعة لوكلاء الخارج في الفاشر، كل هذا اعطى زخما لمشاركة السودان في اجتماعات نيويورك.. وحتى الاتحادات والهيئات الدولية وقيادات مختلف الدول، غيرت من فهمها ولغة تصريحاتها خلال مقابلاتها مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية لأنها أدركت أنها تتعامل مع دولة تملك ارادتها وليست مستضعفة..
أما الرباعية التي سبقت اجتماعات نيويورك بلقاء خرجت فيه ببنود أقرب للوصاية، فقد تفاجأت بالخطاب القوي لرئيس الوزراء بنيويورك والذي وضع النقاط على الحروف وحمل تشخيصا سليما للوضع في السودان..
الرباعية برعاية أبوظبي جعلت أمريكا سيدة العالم تبدو (منقادة) في مواقفها بدلا من أن تكون قائدة.. وهو ما يظهر في التصريحات الملتبسة لمسعد بولس التي حاول فيها التلميح إلى موافقة المليشيا على دخول المساعدات إلى الفاشر، ونسج تفاؤلات عن إمكانية عقد حوار بين الجيش والدعم السريع..
أما مصر فإنها لا تستطيع الانفكاك من ” متاهة الرباعية” لحسابات تتعلق بالمصلحة التي تجعلها في سياق التواجد في حلف الدول المؤثرة في المنطقة والمجاملة في المواقف، بصورة تجعلها توقع على بيانات الرباعية المعممة والتي تحمل رسائل سلبية ضد الحكومة السودانية، ثم ما تلبت ان تعقبها بتصريحات من وزارة خارجيتها تحاول بها إيجاد تفسيرات أخرى لمضمون البيان مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان وسيادته.
تضطر القاهرة لمجاراة التناقض الواضح في مواقف شركائها في الرباعية من جهة، ومحاولة ضمان عدم خسارة السودان الرسمي من جهة أخرى، فهي تقرأ دلالات المشهد السياسي بصورة صحيحة ولكنها تفسره وفق مصالحها مع الكبار وهواجسها من عودة الإسلاميين مستقبلا.
تضع الرباعية في بياناتها نصا بات مكررا لكنه دون فاعلية، وهو الالتزام بمرجعيات اتفاق جدة، فالرياض وإن كانت قد بادرت بمحاولة ايقاف الحرب في شهرها الثاني إلا ان مرجعياتها حسب ما يرى الشارع السوداني كانت سببا في تمدد الدعم السريع واشعال الخراب في معظم ولايات السودان. فإحياء اتفاق جدة الذي يفتقر للآليات امر غير ممكن، وبات وجود السعودية في مشهد الحل السوداني شرفيا لا أكثر، فأبوظبي وواشنطن هي من تنسج خيوط الحرب وتحاول أن تهندس التسوية وفق تخطيطها وتأثيرها على الأطراف السودانية.
وقد تدرك الرياض او لا تدرك أنها قد ارتكبت خطأ استراتيجيا سحب كثيرا من رصيد الاحترام والثقة التي تحظى بها لدى الحكومة في بورتسودان، وذلك بعد ان تعمدت افشال زيارة رئيس الوزراء كامل إدريس إليها مؤخرا، وبالتالي خسرت أهم كروت التأثير الناعم في المشهد السوداني، ومن المؤكد أن البرود الذي تعاملت به الرياض مع شخصية بقامة رئيس الوزراء خلال الزيارة موقف لم يرضي الحكومة السودانية، وقد يغير في قواعد التعامل مستقبلا بين البلدين.
المهم أن السودان فتح قلبه وأذنيه لتحقيق السلام الشامل من موقف قوة لا ضعف.. السلام الذي يوقف الحرب برفع الداعمين يدهم عن دعم المليشيا أولا واقتناعهم بفشل مشروع التقسيم.. فالسودان اتخذ الموقف الصحيح بالدفاع عن سيادته ومواجهة الحرب التي فرضت عليه.. وسيستمر في حقه المشروع في رد العدوان.. وعلى الآخرين هندسة تدخلاتهم في شأن بلادنا وفقا لهذا المبدأ.