رأي

عودة المقاصة الإلكترونية… عودة الحياة للنظام المصرفي في السودان

إعداد: أبوعبيده أحمد سعيد محمد saeed.abuobida5@gmail.com

بعد توقف نظام المقاصة الإلكترونية في السودان منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م، شرع بنك السودان المركزي في إصدار مجموعة من المنشورات لإعادة تشغيل النظام وضبط إدارة السيولة بين المصارف. في مقدمة هذه الإجراءات جاء منشور رقم 2025/7 الصادر بتاريخ 17 ديسمبر 2025م، الذي يستأنف العمل بالمنشور القديم رقم 2017/2، ويضع ضوابط واضحة لتحصيل الشيكات بالعملة المحلية فقط عبر المقاصة الإلكترونية.

وفق المنشور، أصبحت جلسات المقاصة يومي الأحد والأربعاء من كل أسبوع، ويقتصر التعامل على الشيكات الجديدة المرمزة برمز الاستجابة السريع، مع استبعاد الشيكات منتهية الصلاحية خلال الفترة من 15 أبريل 2023م حتى تاريخ المنشور. ويعكس هذا التقييد حرص البنك المركزي على استقرار الجنيه السوداني وضمان جاهزية النظام المصرفي للتعامل مع الشيكات الصالحة فقط.

آليات تسوية الالتزامات بين المصارف تم ترتيبها بحسب تراتبية واضحة لضمان انسياب العمليات النقدية، وهي كالتالي:

1. الحساب الجاري لدى البنك المركزي: يجب على كل مصرف إدارة سيولته بفعالية وتوفير أرصدة كافية لتغطية سحوبات المقاصة، مع تغذية الحساب من الفروع لضمان استمرارية التدفقات.

2. صندوق إدارة السيولة بين المصارف: يلتزم كل مصرف بالمساهمة في الصندوق، ولا يحق الاستفادة منه دون الوفاء بمتطلبات المشاركة، وفق ما ورد في منشور 2014/7.

3. سوق ما بين المصارف (Interbank Lending): يشجع البنك على الاقتراض والإقراض قصير الأجل بين المصارف، مع ضرورة إخطار البنك المركزي بتفاصيل الاتفاقيات، وتفويضه بخصم أي عجز مباشرة من حساب المصرف المعني.

4. بيع وشراء النقد الأجنبي: يسمح للمصارف ببيع النقد الأجنبي للبنك المركزي لتغطية العجز بالعملة المحلية، وفق سعر الشراء في تاريخ البيع، كأداة طوارئ ضمن إدارة السيولة.

وفي حال تعذر على أي مصرف تغطية حساباته للشيكات المسحوبة عليه من المصارف الأخرى عبر حسابه لدى البنك المركزي، يمكن اللجوء إلى بنك السودان كممول أخير وفق منشور رقم 2025/6 الصادر في 17 ديسمبر 2025م. التمويل في هذه الحالة محدود لكل جلسة مقاصة، ويجب سداد كامل المبلغ خلال خمسة أيام عمل، مع فرض جزاءات مالية وإدارية صارمة في حالة التعثر، بما في ذلك منع المصرف من منح أي تمويلات جديدة للعملاء حتى تسوية الموقف. كما تم إلغاء المنشورات السابقة المتعلقة بالتمويل الطارئ لتصحيح مسار التمويل بعد تقييم الأداء.

يحدد المنشور نطاق التطبيق ليشمل جميع المصارف المستفيدة من تسوية المقاصة الإلكترونية، ويشدد على أن التمويل الطارئ مسموح به فقط عند تعذر تسوية المقاصة، ومحدود لجلسة واحدة لكل عملية، مع ضرورة السداد قبل اللجوء لجلسة جديدة.

تهدف هذه الإجراءات إلى إعادة الثقة والاستقرار للنظام المصرفي، مع الحد من المخاطر التشغيلية الناتجة عن تداول الشيكات خارج النظام الرسمي. كما تعزز الانضباط المالي للمصارف، وتشجع على التمويل البيني بين المصارف قبل أي لجوء للتمويل الطارئ، مما يخفف الضغط المباشر على الاحتياطي النقدي ويحمي الاستقرار النقدي في السودان، مع الإشارة إلى أن المقاصة بالنقد الأجنبي ما زالت محل متابعة للبنك المركزي.

يمثل النظام الجديد للمقاصة الإلكترونية خطوة حذرة ومتدرجة لإعادة الحياة للنشاط المصرفي، مع الحفاظ على المرونة الضرورية لمواجهة أزمات السيولة المؤقتة، وتأكيد دور البنك المركزي كجهة رقابية رئيسية بدلًا من كونه ممولًا اعتياديًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى