
عيد الخرطوم.. “لأمر فيك تجديد”..
عزّ الكلام
عبد الله بشير
فرحة عيد الأضحى هذا العام مضاعفة في الخرطوم.. والعيد هنا عيدان: أدى الناس فروضهم وطاعاتهم لله تعالى فصاموا وقفة عرفات وصلوا صلاة العيد في مساجدهم وساحاتهم ونحروا ذبائحهم وتشاركوا طعامهم.. كما أحس الناس في الخرطوم بطعم الأمان في العيد بزوال غمة المليشيا بعد التحرير، فقد كانت الفرحة مصادرة وإظهار الشعائر يتم في خوف ووجل ..
حضرت العيد هذا العام في جنوب الخرطوم ورجعت إلى منزلي وشارعي، فوجدت من تقاسم معي آلام الصمود في الديار قبل أن أغادرها، ووجدت كذلك من بكّر بالعودة رغم غياب الخدمات ورهق المعيشة.. الذين لم يغادروا منازلهم كان إحساس العيد لديهم مختلفا هذه السنة.. وظلوا على عادتهم القديمة في المكوث تحت الأشجار التي احتضنت صمودهم وشهدت على ثباتهم، وإن كانوا قد دفعوا ثمنا لذلك بفقدان أحبة والتعرض للذل والإعتقال والضرب والإهانة من أفراد المليشيا.. لما لم يجد هؤلاء الأوباش طريقا لكسر صمود هؤلاء البسطاء أمروهم بمغادرة المنطقة إلى مكان آخر خلال 48 ساعة، وبعد مضي 4 أسابيع جاء التحرير على يد جنود القوات المسلحة الذين استقبلهم الناس استقبال الفاتحين، ثم عادوا لمنازلهم التي لم تسلم من النهب والتحطيم حقدا من عند أنفس مريضة ابتليت بها الخرطوم خلال عامين.
تدور النقاشات والونسات بين سكان الحي حول مصير الدعّامة وما لحق بهم من عقاب يناسب جرمهم، وهو ما أشفى صدورهم ومحا ما لحق بهم من أذى لا يتصوره الخيال..
تذكر الناس رفقائهم الذين كانوا معهم وقت الشدة والضيق وانتقلوا إلى رحمة الله بأسباب متعددة..
الناس صاروا أكثر التصاقا ببعضهم البعض وأصبحت اللُحمة بينهم أقوى وزالت الأنانية من النفوس وحل محلها التراحم وإيثار الغير على النفس..
من يملك هنا مولد كهربائي أو الواح الطاقة الشمسية يجود على جيرانه بالماء والكهرباء والوصلة لشحن الهواتف، يقوم بذلك بنفس راضية.. تناول الإفطار والغداء للرجال والشباب يتم في مجموعات تتراص على الشوارع وهم ينادون بعضهم البعض، بينما يتعالى الدخان من التكايا التي ظلت هي الأخرى ترفد صمود الناس بما يقويهم ويعينهم على البقاء..
قضينا العيد وتناولنا إفطار اليوم الأول متنقلين ما بين مائدة وأخرى، فلابد أن ترضي هذا وذاك بالإستجابة لدعوة الإفطار من الذبيحة..
المساجد ظلت مفتوحة يؤمها المصلون في الأوقات الخمس.. وإن تعرضت في الأسابيع الأخيرة لوجود المليشيا لانتهاك حرمتها وتدنيسها وسرقة ما فيها حتى مكبرات الصوت ومفارش الصلاة لم تسلم من النهب، كما قاموا بنزع الأسلاك من على الحوائط وتحطيم ما لم يستطيعوا حمله..
آثار الدمار في المنازل والشوارع مازالت ماثلة وتحتاج إلى وقت لإزالتها.. لكن الأهم أن الحياة عادت للخرطوم بأن أصبحت النفوس متصالحة بعد أن رممتها الشدة، وأذهبت بشئ من الخراب علق بها زمن الرخاء.