
يوميات عائد للخرطوم.. جبل أولياء تعاني وتنادي أبنائها وحكومتها و”ناس الجزيرة وبحر أبيض”
عبد الله بشير
عدت للعاصمة المحررة من بوابة جنوب الخرطوم التي عرفتها وألفتها وبقيت فيها معظم فترة الحرب وعايشت فيها ككثيرين غيري مرارات وفظائع المليشيا، ثم غادرتها أواخر العام الماضي مجبرا بعد ان أصبح البقاء فيها مستحيلا.
بهذه العودة أكرر تجربة التوجه إلى الأماكن بعد تحريرها للمرة الثالثة (أولاها كادوقلي بعد كتمة 6/6، ثانيها ولاية الجزيرة بعد تحرير ود مدني، والآن الخرطوم بعد قهر مليشيا الدعم السريع أواخر رمضان الماضي)..
بدأت الزيارة من جنوب الخرطوم (محلية جبل أولياء) التي تمثل مركز ثقل سكاني يبلغ حسب الإحصاءات الرسمية مليون و750 ألف نسمة من مختلف قبائل السودان ، مضاف اليهم مئات الآلاف من اهلهم الذين نزحوامن قرى الجموعية غرب النيل والممتدة من الغرزة الى المقداب والذين ارتكب الدعم السريع بحقهم ما لا يمكن تخيله من فظائع لدرجة منعهم من الوصول إلى شهدائهم لمواراتهم الثرى.
قطع أهلنا الجموعية النهر شرقا بالمراكب ونزلوا ضيوفا كرام على المناطق المحادية لهم من الجزيرة اسلانج شمالا وحتى حدود ولاية النيل الأبيض جنوبا.. وقد التقيت الكثير من أهلي الجموعية المتواجدين بالكلاكلات ومنطقة الشقيلاب، والذين حكوا من الأهوال التي لاقوها من المليشيا والتي يشيب لها الرأس وما لا يعلم بها إلا الله.
تواجه مناطق جنوب الخرطوم نقصا حاد في إمدادات المياه التي تضاف إلى مشكلة انقطاع الكهرباء وضعف الخدمات وارتفاع معدلات الإصابة بمرض الكوليرا التي عاودت الظهور بعد الانخفاض.. فالبيئة مازالت بحاجة إلى عمل كبير ومخلفات الحرب ومكبات الاوساخ تحتاج إلى الكثير من الأيادي والمعدات.. خاصة مع اقتراب فصل الخريف.
مناطق جنوب الخرطوم تواجه آثار ما بعد الحرب، التي أثرت على مواطنيها الذين ظل الكثير منهم مستعصما بالبقاء في مناطقه.. وهو الآن حامدا شاكرا لله على نعمة الأمن والتخلص من شرور الدعامة الذين نهبوا الممتلكات وازهقوا ارواحا عزيزة وساموا الناس أشد العذاب..
لكن الناس تعاني في ظل حياة قاسية.. تعاني في جلب المياه وتعاني في توفير وجبة الطعام.. ويكاد لا يخلو بيت من وجود مريض بالحميات او الملاريا او الاسهالات.. مع زيادة في أسعار المواصلات مما بجعل التنقل يتم وفق حسابات دفيقة.
اما الأهل على شريط بحر أبيض فالحال يغني عن السؤال: فالنهر الذي يعتمد عليه الكثيرين في معايشهم قد ضن بالحوت (والنهر يطفح بالضحايا بالدماء القانية)، وكذلك جثث قتلى الدعامة.. كما ان استمرار العمليات العسكرية يجعل الإقتراب من المياه مخاطرة في هذه الأيام..
تم توزيع بعض المساعدات على اهل تلك المناطق والوافدين إلا أنها تظل شحيحة بالمقارنة مع الاحتياجات الكبيرة وهو ما يتطلب وقفة اقوى..
ومن هنا نطلق النداء لأبناء المنطقة وحكومة ولاية الخرطوم لمضاعفة الجهود تجاه مناطق جبل اولياء.. ويمتد النداء لأهلنا في كافة الولايات، خاصة ولايتي الجزيرة والنيل الابيض، لتسجيل حضور قوي في تسيير القوافل الغذائية والصحية لأهلهم من واقع أن هذه المناطق تعتبر امتداد اجتماعي وثفافي واقتصادي لأهلنا في الجزيرة (وكلنا في الهم شرق).. فلجان الإسناد بالخرطوم مازالت في طور التشكل حسب ما علمت.. وحتى تكتمل فيمكن للجان الجاهزة أن تقوم بالواجب ابتداء من لجنة اسناد الجزيرة برئاسة الشيخ عبد المنعم أبوضريرة، ولجان إسناد البراؤون ولجنة قوات درع السودان القطاع الأوسط برئاسة شيخ العرب العقيد الشريف بركات ولجنة القوات المشتركة برئاسة ابن مدني اللواء يوسف النور ..
حقيقة الوضع صعب يحتاج الى وقفة عاجلة لأننا في الهم (شرق وغرب) فاللحمة سودانية بعيدا عن التقسيم الجغرافي للولايات والمناطق.