رأي

الوزير الإعيسر.. “قراءة جيدة للملعب”

عبد الله بشير
معلوم بالضرورة أن السودان يعيش أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية معقدة بسبب الحرب التي فعلت فعلتها في السودانيين، وجعلتهم ما بين لاجئ في إحدى دول الجوار، أو مشرد بين مدن السودان الآمنة، يعيش قساوة السعي لكسب العيش.. ممنيا النفس بالعودة إلى قريته أو مدينته حيث مرتع صباه وذكريات حياته الجميلة. وهناك قلة من الناس بقيت ولم تخرج مع الخارجين، مستعصمة بالصبر على ذل الدعامة واحتقارهم وتعذيبهم للناس.. لأنهم قوم بلا قلب ولا يرحمون.. هؤلاء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف لضيق ذات يد يمنعهم من السفر، أو خوفا من مجهول لم يعتادوا ركوب مخاطره.. ومن بقى لأسباب مختلفة.. وأعرف من رفض الخروج وفضل ملازمة أم مسنة او أب مريض آثر الموت في بيته على “مرمطة” السفر والغربة .. وهناك أيضا من ظل حيث هو وآذى الأخرين بوجوده ولعب دور المرشد أو القواد “للدعامة” بعد ان سولت له نفسه المريضة أن يكون تحت إمرتهم.
كل ما ذكرته يفسر سر الفرح الغامر الذي نزل على السودانيين لحظة إعلان إسترداد مدينة ود مدني من مليشيا الدعم السريع التي قامت بتهجير المواطنين من مساكنهم، وأذاقتهم مر العذاب.. فكل سوداني أصيل من الجزيرة أو الخرطوم أودارفور او كردفان أو الشرق بكى فرحا لحظة إعلان الفتح العظيم، بعد ان غمره إحساس بأنه يملك جيشا عظيما (قادر ان يجيب له حقو تالت ومتلت)، وكما استرد هذا الجيش مدني فإنه يستطيع أن يقتلع منهم كل ارض في أي بقعة من السودان داستها “أبواتهم النجسة”..
هذه الأوضاع المعقدة في ظل هذه الحرب المفروضة على السودان تتطلب مواقف ورسائل من المسؤولين في الدولة تستند إلى بعد النظر وضرورة معالجة قضايانا الراهنة بحكمة.. وهو ما يتطلب قراءة جيدة للملعب السياسي والإجتماعي في السودان..
فالمسؤول الناجح ينبغي أن يستند إلى “مركز صنع قرار” في عقله، هذا إن لم يكن موجودا على أرض الواقع.. وألا ينجر إلى مجرد التصريحات الهتاقية في زمان الانتصارات والفتوحات التي أسعدت الشعب السوداني وعبر عنها بما يريد.. لكن المسؤول يجب أن يعبر بما تريد مهام منصبه.
أعجبتني آخر ثلاثة تصريحات أطلقها وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة خالد الإعيسر وآخرها أمس تعليقه على (كشف أسماء دعامة مدني) الذي نشرته بعض وسائل الإعلام منزلقة عن الحصافة المطلوبة تجاه مثل التسريبات وقامت بمجاراة أسلوب الشعبوية الذي يمارسه رواد وسائل التواصل الإجتماعي.. الوزير اكد أن الدولة السودانية رائدة في تحقيق العدالة ولا تتعامل بالشبهات دون محاكمات عادلة. واعتبر أن ‏كل المواطنين الذين كانوا مقيمين -قسراً – في مناطق تحت سيطرة المليشيا هم مواطنون كاملو الحقوق، مثلهم مثل غيرهم في كل بقاع السودان.
وأوضح أن ‏نهج الحكومة السودانية هو عدم معاقبة المواطنين بناءً على الشبهات والأقاويل والأخبار المفبركة أو من دون إثبات التورط وبعد محاكمات عادلة.
وقال إن ‏القوات المسلحة قدمت الشهداء والجرحى وحررت المدن من أجل المواطن وحريته وكرامته، ولا يمكنها أن تسلب أي مواطن هذه الحقوق المشروعة.
‏وحذر من نشر مثل هذه الأخبار المفبركة التي تهدف إلى تشويه صورة الجيش السوداني ومؤسسات العدالة والقانون.
وبهذه الكلمات أغلق الإعيسر والحكومة بابا لفتنة قد ينجر إليها البعض لأخذ القانون بيده ومحاولة الإنتقام لمجرد شبهة القيل والقال في قضية التعاون مع الدعامة.. والتي لها آلياتها الرسمية التي تحدد المجرم من البرئ بعد التحرير الشامل لأرض السودان إنشاء الله.
الوزير كذلك وزع “باص” جميل في “الحتة الفاضية” عن الاهتمام الإعلامي والرسمي، عندما حيا بشجاعة قوات درع السودان بقيادة كيكل للتضحيات التي قدمتها والدور الذي قامت به في تحرير مدن وقرى ولاية الجزيرة..
وقال في تغريدة على منصة إكس”: ‏مكانتكم محفوظة وتضحياتكم راسخة في وجدان كل السودانيين.
وقال؛ ‏كُنتُم درع الوطن الحصين، وبذلتم الأرواح الغالية لحماية أمن واستقرار السودان وشعبه.
أعطاها حقها من الشكر والتقدير على ما قامت به رغم المحاذير وتحفظات البعض عليها باعتبارها مشاركة في جرائم المليشيا قبل إنشقاقها عنها..
وفي تصريح آخر لم ينس وزير الإعلام أن يوجه رسالة بليغة “عابرة للحدود والقارات” حملت مضامين عظيمة، فقد اعتبر الاحتفال في بعض البلدان العربية بإنتصار الحيش في مدني “تعبير شعبي صادق” وتجسيد حقيقي للوحدة ومشاعر الإخاء والتضامن، مقدما شهادة تقدير ووفاء واعتراف بالجميل بإسم الشعب السوداني لاخوانه في البلاد العربية الذين وقفوا مع السودان وشعبه في محنته.
وهي مجاملة معنوية مطلوبة للشعوب الصديقة لةومن يستضيفون المغتربين السودانيين الذين أعطاهم الإعيسر جرعة ثقة يقاومون بها الإحباط لتعينهم في مواصلة دورهم تجاه وطنهم وأهلهم، وفيهم من لا ينام ويعمل صباح مساء لتغطية مصروفات الأهل في المنافي والملاجئ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى