ود مدني.. إنطباعات ما بعد الوصول
عبد الله بشير
مشاعر متداخلة ما بين الفرح بالعودة والحزن على ما صار عليه الحال، إنتابت المواطنين العائدين إلى الجزيرة بعد أن وصلت بهم البصات إلى مشارف “ود مدني” عاصمتها المحررة من مليشيا الدعم السريع..
كلمات ابن مدني محمد الأمين كانت حاضرة لتعبر عن مشهد اللقيا: لو وشوش صوت الريح في الباب.. يسبقنا الشوق قبل العينين.. كثيرون رأيتهم يذرفون الدموع وهم يحدقون في صمت من نافذة البص غير مصدقين أو لعلهم مصدومين لما تراه أعينهم على جانبي الطريق.. فالحقول الخضر المشتعلة قمحا ووعدا وتمنى تحولت إلى قفر يباب وأرض بور قد كساها الصفار.. عم البؤس والسكون الشوارع والبيوت التي كانت تضج حيوية وحركة.. ونحن ندخل لمدينة مدني من جهتها الشرقية استقبلتنا أولا مشاهد المباني المحترقة أو المهدمة والسيارات الملقاة على جانبي الطريق.. لم تسلم آليات الزراعة وإسلاك الكهرباء من التخريب الذي تعرضت له بشكل كبير، آثار المعارك الضارية كانت بائنة ، وكأنها تنتظر خيال مخرج بارع ليعيد تمثيل قصص في الفدائية والتضحية، أبطالها شهداء تحت التراب أو أحياء قاموا بواجبهم ثم انتقلوا في صمت إلى معركة تحرير أخرى..
لم يخرج الجميع من حالة الذهول إلا بعد الوصول إلى كبري حنتوب، الذي مثل رمزا للحظة انكسار كانت مؤلمة وتبعها سقوط أشد إيلاما.. وبالمقابل شكل هذا الكبري رمزية للنصر الغالي الذي أقر الله به أعين الغبش البسطاء.
أعضاء الوفد الإعلامي لم يشعروا بإنفسهم حينما دخلوا مدني، فجأة تكوموا في مقدمة البص وهم ينظرون من الزجاج الأمامي المكسور إلى مشاهد سكون لم يألفوه، لكن عند الاقتراب من وسط المدينة بدأت تدب بعض مظاهر الحياة، وخرج من كانوا في المدينة وهم يستقبلون إخوانهم العائدين.
نزلنا في قلب مدني وكانت أول الملاحظات غياب الكهرباء وحضور شبكة الاتصالات وأجهزة الشرطة، أما الماء فيحمد للمسؤولين اهتمامهم بتأهيل الآبار وإصلاح الشبكات عقب التحرير مباشرة.
جلسنا بعد وصولنا من رحلة مرهقة استمرت يومين مع أمين عام الحكومة مرتضى البيلي الذي سرد لنا بإسهاب الموقف العام في ولاية الجزيرة، وحسن فعلت الحكومة وهي توجه بإعداد تقرير شامل عن حجم الدمار الذي تعرضت له الولاية وكيفية التعامل معه، وماخرجت به من ملاحظات أن الأجهزة الأمنية والتنفيذية عملت وتعمل كخلية نحل في رسم وتنفيذ البرنامج الإسعافي الذي تم وضعه لتوفير احتياجات المياه والكهرباء والصحة، وتوفير بعض الاحياجات المهمة للمواطنين مثل المواد التموينية والوقود والغاز ..8
حكومة الولاية حددت أولوياتها بدقة وتحاول تسخير كل ما هو متاح.. علمنا أن هناك رؤية قد وضعت لإعادة الإعمار لم تغفل حتى تأهيل مشروع الجزيرة وفق رؤية جديدة..
نجاح مسؤولي الولاية في سرعة توفير مسكين للصحفيين وتهيئته في وقت وجيز أعطى للوفد الإعلامي إنطباعا جيدا عن كيفية أداء الأجهزة هنا..
ملاحظة إضافية: ود مدني خالية من “الكدايس”.. وعدمت عند المغارب الطيور “الراجعة للعش والجنا”.