رأي

فرحة خاصة..

عبد الله بشير

كان واحدا من أقسى أيام الحرب عندما فاجأت القذائف أهلي وأحبابي في القوز الوادعة المنطقة التي تلي وسط الخرطوم من ناحية الجنوب..
في ذلك الصباح هاتفت ابن اختي عاتبا عليه عدم إحضار والدتي وإخواني وبقية الأسرة إلى منزلي الذي يقع إلى الجنوب في منطقة أبو آدم.. اتصلت عليه في ذلك اليوم مرة وثانية وثالثة.. فيجيبني أن أهل البيت متمسكون بالبقاء، خاصة أن الظروف الأمنية كانت أفضل في محيط المنطقة.
وتحت إلحاحي لم تشأ الوالدة والأسرة كسر خاطري وخرجوا بعد الظهر ميميين وجههم تجاه منطقة أبو آدم. خرجوا وبمجرد ابتعادهم الى مسافة قريبة انهالت القذائف على منطقة القوز.. سقطت على منازل الحي دون سابق إنذار، فصعدت روح جارنا وقريبنا المحامي الأستاذ محمد بشير فكان أول الشهداء الذين ارتقوا إلى ربهم.. وكتبت النجاة للأسرة التي باتت وكل أهل المنطقة تلك الليلة المرعبة في مسجد الزمزمي.
نزح عدد كبير من أهل القوز والرميلة والحلة الجديدة إلى منطقة الكلاكلات جنوب الخرطوم فشكلوا نسيجا اجتماعيا متفردا، حتى أن حبهم لكرة القدم والاجتماع والتواصل وتفقد بعضهم البعض ظلت خصال تميزهم.. فالقوز كما يقول أهلها هي مدنية ولكنها بطباع ومحنة أهل القري.
تنقل القوازة وتشتتوا ما بين الولايات خاصة ولاية الجزيرة التي انتشروا بين قراها يشدهم الحنين إلى العودة، منتظرين أن ينتهي كابوس “الدعم السريع”..
خلال شهور التفرق فقد القوازة كثير من أهلهم وأحبابهم بعد ان فقدوا كل ما يملكون.. وفقدنا في الأسرة عبد الرحمن وطارق الذين ارتقت أرواحهم الطاهرة في ريعان شبابهم.. فكان وقع الألم والفراق ثقيلا على الاسرة وكل اهل القوز.
انضم كثير من أبناء المنطقة إلى كتائب الدفاع عن الوطن فاستنفروا مع جيشهم، دخلوا المعسكرات وتعلموا فنون القتال في صبر وجلد.
تقدم أبناء القوز صفوف المقاتلين في سلاح المدرعات وشاركوا في تحرير الخرطوم وقدموا شهيدا تلو الآخر وسالت دماهم لتروي قصص التضحية والفداء.. ومن فبل استبسلوا في الدفاع عن سلاح المدرعات الذي كان حلما بعيد المنال لم تناله المليشيا وانتحر أوباشها على أسوارها.
قبل أيام كانت معركة أبرأج الرواد التي مثلت قلعة حربية للمليشيا ومركزا لتخزين السلاح وموقعا لارتكاز القناصة فضلا عن كونها معتقلا للمدنيين الأبرياء.. انتهت اسطورة الأبراج ليفتح الطريق أمام تأمين اللاماب ومحيطها وتنفح الشهية لدخول القوز والرميلة والمنطقة الصناعية “مكمن الخونة القوادين” ثم صك العملة ومخازن السكر شمالا، وشرقا باتجاه السجانة والديوم، ليكون الطريق سالكا لتحرير كبري الحرية ووسط الخرطوم انتهاء بالقصر الجمهوري..
عادت القوز الجميلة وذرف أبناءها دموع الفرح بعد أن أصبحت العودة للديار ممكنة لتعود “قوز ود ضياب” شامخة بأهلها وتاريخها وفنها وكورتها وأصالتها..
الحمد لله أولا وأخيرا.. وتقبل الله الشهداء متوكل الدسوقي ورفاقه.. وفك الله الأسرى وجمعنا بالمفقودين..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى