
والي الجزيرة يغادر القروبات!
عبد الله بشير
خلال لقاء نوعي مع الصحفيين حول الأوضاع بولاية الجزيرة اجتهد الوالي الطاهر إبراهيم الخير في تقديم إحاطة وافية عن الأوضاع في الولاية، ابتداء من وصف ملحمة التحرير بتفاصيلها الدقيقة، وما قدم خلالها من تضحيات من رجال مجهولون وشهداء كرام، وعرج الوالي بالحديث عن مجهودات مختلف أجهزة الولاية في إعادة رسم الحياة إلى مدن وقرى الجزيرة. خلال هذا العرض فلتت عبارة من الوالي أثارت انتباهي، مفادها أنهم لا يستمعون إلى “الأصوات النشاز” في الولاية، وأنه قام بمغادرة قروبات الواتساب حتى لا ينشغل عن واجبه الذي يقوم به.
لعل الوالي الخير وجد في لقائه مع الإعلاميين “ساحة تنفيس” عن حمل ثقيل ضاق به صدره، فخرج بقصد أو دون قصد في جلسة أريحية شجعت على الفضفضة.. فيا ترى ما هي “الأصوات النشاز” التي عناها الوالي؟.. وماذا يجري خلف الكواليس في ولاية الجزيرة..؟.
خلال فترة وجودنا في مدني ما بعد التحرير، وما لمسناه فيها وفي مختلف مدنها التي زرناها، رسمت في أذهاننا صورة مثالية للأوضاع بالجزيرة.. خاصة أننا عايشنا انفعال ومشاركة أبناءها في ملحمة التعمير بعد إنجاز التحرير من المليشيا.. فالجميع وليس الوالي الخير وحكومته يعتبر نفسه في موقع المسؤولية، لذلك بادر كل بما يستطيع في تقديم ما يمكن أن يقدمه لمنطقته وولايته دون انتظار دعوة من أحد.. في مدني وخلال أسبوعين فقط تغير وجه المدينة التي كان يكسوها بؤس أيام الدعامة الغابرة، فأصبحت تضج بالعائدين إلى بيوتهم وأسواقهم ورجع لعاصمة الجزيرة بعضا من ألقها القديم.
لست هنا في معرض دفاع عن الوالي الخير او حكومته، خاصة وأن ملابسات ما يجري بعيدا عن الإعلام يبدو دون تفاصيل واضحة حتى الآن.. لكن ما أريد قوله أن انتقاد الوالي وحكومته يظل أمرا مشروعا، فلا يوجد من هو كبير على النقد من المواطن الذي من حقه ان يعبر عن رأيه بكل حرية، وعلى قرون إستشعار الأجهزة الرسمية أن تتحسس ما يقوله ويريده مواطن الجزيرة لتقويم أي خلل وتجاوز أي تقصير.. أما إذا كان الامر يتعلق بمحاولة إعادة “اللوبيهات” للواجهة وإحياء الصراعات القديمة التي واجهها ولاة سابقون ودفعت ثمنها الجزيرة، فهذا أمر يدعو للتوقف.. تتداول مجالس مدني أحاديث عن وجود محاولات من مجموعة للحفر “بالكوريق” من بورتسودان ضد الوالي في شخصه او تجاه حكومته، لأنها لا توافق هواها أو لا تتطابق مع مصالحها.. وأي كان الأمر فإنني اسدى نصحا لأبناء الجزيرة بأن يحافظوا على وحدتهم خلال هذه الفترة حتى يتحقق للولاية العبور إلى مرحلة الإستقرار وتجاوز آثار الحرب.. وإن افترضنا في الجميع حسن النوايا وحسن المقصد فليس هناك مبررات لإطلاق حرب داخلية تشغل عن الحرب الحقيقية ضد العدو الذي قتل ونهب وشرد، خاصة أن أبناء الجزيرة مازالوا يحملون السلاح لتحرير ما تبقى من الولاية، كما أن علي أبناء الولاية المخلصين أكمال خطوات إعادة التعمير .. وكذلك مواصلة التدافع الإيجابي نحو البناء الذي جعلهم مضرب مثل للتكاتف والتعاون، وهو ما يميزهم عن غيرهم..
إثارة الخلافات في هذا الوقت سيضر بولاية الجزيرة أكثر مما سيصلح، والإنشغال بذهاب أو بقاء الحكومة سيصرف الناس عن أولوياتها ويثير معركة في غير معترك.. المواطنون وشباب الجزيرة هم حاليا الحكومة الحقيقية، والولاية تتنفس حاليا بما يقدمونه من مبادرات، أما الجهاز التنفيذي حاليا -بغض النظر عن الأسماء والمواقع- يمثل رمزية التحرير والتعمير.. وذلك إلى أن يستوى عود الولاية، وتنعقد حرية القرار للمواطن في اختيار من يمثله..