
نجاح القوات المسلحة السودانية وفشل القوى السياسية الوطنية في معركة الكرامة ضد الجنجويد
بقلم/ الطيب خميس
في عالم تتصارع فيه المكونات الاجتماعية والسياسية لتحقيق السلم والأمن، تبرز حالة السودان كحالة دراسية مثيرة للاهتمام، حيث شكلت القوات المسلحة السودانية مثالاً للنجاح في مواجهة تحديات داخلية محدقة، بينما عانت القوى السياسية الوطنية من فشل في تحقيق التوافق الديمقراطي والوطني.
إن القوات المسلحة السودانية، رغم ما قد يلاحظه البعض من تحديات تنظيمية وإدارية، أثبتت قدرتها على التصدي لتهديدات الجنجويد – ذلك التنظيم الذي عُرف بوحشية تصرفاته وأثره المدمر على المدنيين في مناطق النزاع. في معركة الكرامة، ظهرت القوات المسلحة كدرع حامي للسيادة الوطنية، من خلال التصدي لمليشيات آل دقلو الإرهابية التي خرجت عن السيطرة والتي كانت تمثل تهديدًا واضحًا للأمن والاستقرار.
تجلت إنجازات القوات المسلحة في توفير حماية للمواطنين وإعادة الأمل في قلب المناطق المتضررة من النزاع. وقد تمكنت القوات المسلحة من استعادة السيطرة على العديد من المناطق التي كانت تحت هيمنة الجنجويد، مما ساهم في تخفيف معاناة المدنيين الذين عانوا لفترة طويلة من انعدام الأمن والتهجير.
ومع ذلك، فإن النجاح العسكري للقوات المسلحة لا يمكن أن يُعزى إلى مجرد الاستعداد العسكري أو القوة النارية، بل إنه جاء نتيجة لغياب فعالي للقوى السياسية الوطنية التي كانت من المفترض أن تلعب دورًا حيويًا في معالجة جذور النزاع والعمل على بناء السلام المستدام. إن الفشل المستمر لهذه القوى في التوافق والتوحد حول رؤية وطنية شاملة خدمت الأعداء، وقدّمت فرصة للجنجويد لاستغلال حالة التباين والانقسام.
تعددت الأسباب التي أدت إلى عجز القوى السياسية عن تقديم الحلول الفعالة. أولها غياب الرؤية الاستراتيجية المتكاملة التي تجمع بين الأهداف السياسية والأمنية. إذ تظهر أن الأحزاب السياسية قد انشغلت بخلافاتها الداخلية وصراعات النفوذ، مما حال دون تشكيل جبهة موحدة لمواجهة التحديات الوطنية. ثانياً، افتقار هذه القوى إلى الدعم الشعبي، إذ يشعر العديد من المواطنين بعدم الثقة في الأداء السياسي، مما ساهم في تآكل مصداقيتها وفقدان شرعيتها.
إن الفشل في خلق بيئة سياسية صحية ساهم في تعزيز وجود مليشيات الجنجويد، حيث انعدم الحوار الوطني الجاد والفعال حول قضايا التعددية والعدالة الاجتماعية. تمثل هذه المليشيات، في نظر الكثيرين، تعبيرًا عن الإحباط العام من الأداء السياسي، مما جعل بعض الفئات تتجه بعيداً عن الولاء للدولة وتتجه نحو الإنتماء للجماعات المسلحة التي تقدم لهم الأمل والنصرة.
يمكن القول إن مستقبل السودان يعتمد على قدرة مكوناته السياسية والعسكرية على تجاوز هذه الفجوات. يحتاج الأمر إلى استراتيجيات شاملة وفاعلة تضمن تحقيق الأمن والسلام من خلال وحدتهم وتعاونهم. ينبغي أن تشكل القوات المسلحة عنصرًا مهمًا ولكن ليس وحيدًا في المعادلة، بل يجب أن تلعب القوى السياسية دورها بشكل فاعل غير منفصل عن التجربة العسكرية، ليصبح المجتمع السوداني أكثر تماسكًا وقوة في مواجهة التحديات المستقبلية.
في الختام، يظهر جليًا أن نجاح القوات المسلحة السودانية في معركة الكرامة يمثل ضوءًا في ظلام الأزمة الوطنية، لكنه يجب أن يترافق بفجوة تتلاشى بين القوى السياسية. إن مراجعة الأسباب والنتائج المرتبطة بفشل القوى السياسية في تحقيق وحدة وطنية ستكون خطوة حاسمة نحو بناء سودان مستقر وآمن، إذ إن التحديات لا زالت قائمة، والنجاح الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال العمل الجماعي والتعاون بين جميع مكونات المجتمع السوداني.
**نواصل **
للتواصل wadmory@gmail.com