رأي

مجزرة زمزم: جرح نازف في ضمير الإنسانية

بقلم: الطيب خميس

في الوقت الذي يرفع فيه المجتمع الدولي شعارات حقوق الإنسان، تتهاوى هذه المبادئ أمام فصول مأساوية تُكتب بدماء الأبرياء في زوايا العالم المنسية. إن مجزرة زمزم ليست حادثاً عابراً، بل تُعتبر حلقة جديدة في مسلسل الإبادة الممنهجة والتهجير القسري، تُنفذ أمام أعين العالم دون رادع أو محاسبة.

كانت زمزم منطقةً تنبض بالحياة، شهدت يوماً نشاطاتٍ إنسانيةً واجتماعيةً متنوعة. لكنها تحولت بين عشية وضحاها إلى ساحة للقتل والدمار. فخلال لحظاتٍ معدودة، تذاكر عشرات القتلى، بينما جرح المئات، وشرد آلافٌ من العائلات، ليصبحوا ضحايا لعنف وحشي لم يُفرق بين طفلٍ وشيخ، بين بيتٍ ومدرسة. فتلك المنازل التي كانت تحتوي على ضحكات الأطفال وحكايات الكبار، دُمرت، وتشتت العائلات، وأصبحت جثث الضحايا شاهدةً على وحشية لا تُوصف.

أما الذين نجوا من الموت، فقد واجهوا مصيراً قد يكون أقسى من الموت نفسه؛ فالتشريد والضياع في العراء أضحت واقعا مراً لهم. يفتقر هؤلاء المنكوبون إلى أدنى مقومات الحياة، فالأطفال بلا آباء، والعائلات بلا مأوى، والشيوخ يُتركون لمصيرٍ مجهول. المرض يفتك بهم، الجوع ينهش أجسادهم، واليأس يصبح رفيقهم الدائم. والأمر الأكثر قسوة هو الصمت الدولي المطلق، كأن تلك الأرواح لم تكن موجودةً أصلاً في هذا العالم.

تُظهر ردود فعل المجتمع الدولي، وخاصةً الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الكبرى، تقاعساً واضحاً من خلال بياناتٍ خجولة تُصدرها، إن هي تحركت أصلاً. والدول التي تتدخل في شؤون العالم بحجة حماية المدنيين تختفي فجأة عندما يتعلق الأمر بدماء الأفارقة. فهل يُعتبر ضحايا زمزم أقل قيمةً من غيرهم؟ أم أن حقوق الإنسان تتحول إلى مجرد شعارات تُرفع حين تُخدم المصالح السياسية والاقتصادية للدول الكبرى؟

هذه الزاوية المظلمة من العلاقات الدولية تطرح تساؤلاتٍ يحتاج المجتمع الدولي أن يجيب عليها: لماذا يُنظر إلى صرخات شعوب معينة على أنها أقل أهمية من صرخات شعوب أخرى؟ إن الكيل بمكيالين في التعاطي مع قضايا حقوق الإنسان لا يُمحو خزائن التاريخ من المآسي، بل يزيد من انعدام الثقة في قدرتنا على السعي نحو عالم أفضل.

ينبغي أن تبقى أحداث مجزرة زمزم جرحاً نازفاً في ضمير العالم، حتى لا تتكرر المآسي المماثلة، فالتاريخ يسجل أن ضحاياها صرخوا ولم يسمعهم أحد، لكن العدالة، ولو بعد حين، ستأتي. إذ أن الموت ليس نهاية المأساة؛ بل إن النسيان هو القتل الثاني.

لذا، علينا عدم السماح لهذه الجريمة أن تُداس بالأقدام، بل يجب أن تُستذكر دائماً كصفحة سوداء في كتاب البشرية. المجزرة يجب أن تُذكِّرنا بأننا، ككوكبٍ واحد، نتحمل جميعاً مسؤولية حمايتهم والدفاع عن حقوقهم.

على الرغم من أن أصوات هؤلاء الضحايا قد خمدت، إلا أن صدى مآسيهم يجب أن يبقى حياً لا يموت، لعل ذلك يشعل فتيل الغضب في نفوس من يعقلون، ويدفعهم إلى العمل لتحقيق العدالة. فالفعل هو السبيل الوحيد لنقل المجزرة من سجلات النسيان إلى اهتمام صناع القرار، ومن ثم إلى خطوات فعلية لإنقاذ الإنسانية من عذابٍ يُمكن أن يستمر إذا لم يُسارع الجميع لتغييره.

نواصل

Wadmory@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى