
أم القرى.. “غربلوا الفراسة.. وأخدوا صافيها”..
قصص التحرير ما بين شجرة القائد و"الكلب الأمريكي"..
عبد الله بشير
في ولاية الجزيرة ضُرب لنا موعد لزيارة شرق الجزيرة وتحديدا محلية أم القرى، اعتقدت أنها ستكون تلبية لدعوة اهلية أو زيارة عمل في إطار جولات لجنة الإسناد بدرع السودان التي ينشط فيها قائد قطاع الجزيرة العقيد الشريف بركات.. تفاجأت حين وجدت أن قرى ومناطق أم القرى قد احتشدت في احتفال كبير لإستقبال قائد قوات درع السودان اللواء أبوعاقلة كيكل.. احتفال جعلني اتساءل عن سر هذا التدافع الكبير والعفوي للمواطنين ومقاتلي الدرع وحتى القوات النظامية الأخرى التي كانت حضورا بجنودها وضباطها.. ولاحقا عرفت السبب وبطل عجبي “أنا الصحفي الماجايب خبر”.. جاء للإحتفال شعراء “شرق الله البارد” مصطفين في انتظار دورهم ليمعتوا الجمع الغفير وعلى رأسه القائد كيكل بأعذب الأشعار واقوى شعر الحماسة الذي جعل الكل يعرض في وسط الدارة والسيوف ترتفع وتنزل مع العرضة..
وجد القائمون على أمر تنطيم الاحتفال أنفسهم في وضع صعب، مع هذا التداعي غير العادي والتنادي الحماسي.. وعندما عرفت السبب بطل عجبي.. فقائد الدرع “ومن خلفه رجال فُرّاس يستحقوا أن يوصفوا بما سطره شاعر البطانة والسودان عبدالله البنا “غربلتوا الفرسة وأخدتوا صافيها..” فقد أصبح القائد رمزا كبيرا في معركة المقاومة الممتدة لرد عدوان الدعم السريع في أم القرى التي قال كيكل في حقها ” ولدنا وترعرنا فيها.. وربنا أكرمنا وجيناها اليوم عايدين” ولأن “الجمرة بتحرق الواطيها” فقد أكرم الله المدافعين عن أهلهم وديارهم بالنصر مرتين في أم القرى بعد أن قدمت أكثر من 200 شهيد روت دمائهم الطاهرة هذا الجزء العزيز من الجزيرة.. ومنها انطلقت مسيرة التحرير العظيم تحت شعار “أكسح.. أمسح” من ود المهيدي لحاضرة الولاية مدني ثم رفاعة وتمبول وود راوة والكريمت، ثم الدخول للخرطوم وتحرير أم ضوا بان والعيلفون والكرنوس، ومناطق الخرطوم الشرقية والغربية وتنظيف سوبا وقطع كبري المنشية وصولا لطيبة “المعسكر الذي ظن الدعامة انه لا يقهر” ثم بيارة سندس ثم جبل أولياء، حدث ذلك في رمضان المبارك، فقد ولت فلول الدعامة هاربة أمام من أذاقوهم مر الهزائم..
ولازلنا نذكر صيحة كيكل الواثقة “الساعة 5 ماف زول ينتظرنا في جبل أولياء”.. فترك من تبقى من الدعامة سياراتهم مركومة بعفشها في كبري الخزان وقطعوه غربا راجلين خوفا ووجلا..
لم تفتر عزيمة “الدراعة أهل الأدب والطاعة” وها هو قائدهم “أب لمبة” يقرر مواصلة الزحف وملاحقة الباغين وهو يعلنها داوية “الفرحة في الجزيرة والخرطوم لازم نطبقها في الخرطوم”.. وهو حديث له ما بعده من كيكل الذي إذا تكلم أسمع.. وإذا مشى نحو العدو أسرع وإذا ضربه أوجع”.. وهو حديث له شواهده في الميدان التي سطرتها فصول كتاب معركة الكرامة..
مشاهد:
قدر الله لي في ظل التدافع والتنطط من سيارة لأخرى لتغطية جولات القائد كيكل التفقدية.. ان أكون على ظهر عربة دوشكا مليئة بـ”أولاد الدرع” ومن خلال حديثهم عرفت سر تدافعهم لاستقبال القائد بهذه اللهفة الكبيرة.. فكيكل ليس قائدهم فحسب بل هو أبوهم الروحي ورفيقهم ساعات الشدة ولحظات مواجهة الموت..وروى هؤلاء الشجعان قصص وروايات تستحق ان توثق عن ما جرى في أم القرى.. وقد ذكرتني بمشاهد معارك المسلمين الأولى.. ونحن على ظهر التاتشر، كنا كلما نمر بمكان ما يؤشر “أولاد الدرع” نحوه: هنا دارت معركة عنيفة .. واجهونا فيها بشراسة لكننا قهرناهم.. وهنا أطلق الدعامة “الكلب الأمريكي” في محاولة لإيقافنا وواجهونا بكثافة النيران لكننا واجهناهم بإمكانيات أقل وعزيمة أكبر.. وهناك حيث الشجرة المحروقة كنا برفقة القائد نلاحق “اولاد الحرام”.. وهناك دارت معركة كبيرة منذ شروق الشمس إلى غروبها اختلط فيها العرق بدماء الرجال.. كل ما ذكروه فصول في كتاب نصر كبير في ملاحم أم القرى الشامخة..
سعادة ابن الجزيرة وقائد قطاعها بالدرع، وحادي ركب الإسناد المدني في وقت السلم، الرجل الهمام الشريف، ارجو أن تجد هذه الملاحم طريقها للتوثيق.. هذا من حق الأجيال التي حق لها ان تفتخر بأبطال جيش بلادنا ومقاتليه في الدرع والمشتركة والهيئة.. اختلفت المسميات لكن تتشابه الصفات بينهم: فراسة.. إقدام وقوة عزيمة..