
مفارقة في نظرة الرأي العام للقطاع المصرفي السوداني.. تفاؤل بدعم الإعمار وإحباط من أدائه الحالي
متابعات/ سودان ديلي
نشر مركز الخبراء العرب للصحافة ودراسات الرأي العام نتائج استطلاع أجراه للرأي العام حول مساهمة المصارف السودانية في النهوض بالاقتصاد بعد الحرب.
وجاء في مقدمة نتائج الإستطلاع:
في قلب العاصفة الاقتصادية التي تضرب السودان اليوم، يتصاعد سؤال وطني ملح: هل سيلعب القطاع المصرفي دوره المنتظر في إنقاذ البلاد من شبح الانهيار؟
إن الحرب العدوانية التي اجتاحت الوطن لم تخلّف وراءها دمارًا عمرانيًا فقط، بل أطاحت بأسس الاقتصاد الوطني، وأفقدت مئات الآلاف وظائفهم، وأغلقت أبواب الأمل أمام المهنيين، والحرفيين، وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة. في ظل هذا الواقع القاتم، تبرز الحاجة إلى مؤسسات وطنية قوية وقادرة على المبادرة، وفي طليعتها القطاع المصرفي، الذي يمتلك من الأدوات والموارد ما يؤهله للقيام بدور مركزي في عملية التعافي وإعادة الإعمار.
انطلاقًا من هذه الرؤية، بادر مركز الخبراء العرب للصحافة ودراسات الرأي العام إلى إطلاق استطلاع رأي إلكتروني امتد على مدار خمسة أيام، بهدف استقصاء توجهات المواطنين والمختصين بشأن الدور الوطني المطلوب من المصارف السودانية في هذه المرحلة الحرجة، وقياس مستوى الرضا عن أدائها الحالي، ومدى جاهزيتها للمساهمة في تمويل التنمية، ودعم الخدمات، وإنعاش الاقتصاد غير الرسمي. كما سعى الاستطلاع إلى تشخيص التحديات والمعوقات التي تعيق القطاع المصرفي عن أداء هذا الدور التاريخي المنتظر.
وقد شارك في الاستطلاع (47,293) شخصاً من مختلف التخصصات والمناطق، وأسفرت نتائجه عن مؤشرات هامة، تلخص رؤى الشارع السوداني تجاه المصارف، بين تطلعات مفعمة بالأمل، وانتقادات تعكس الإحباط من الواقع الراهن.
وفيما يلي أبرز النتائج التي خلص إليها الاستطلاع:
جاءت نتائج الاستطلاع لتكشف عن مفارقة لافتة في نظرة الرأي العام للقطاع المصرفي السوداني: تفاؤل متقد بالأدوار الوطنية التي يمكن أن يضطلع بها القطاع في دعم التنمية والإعمار، يقابله إحباط عارم واستياء بالغ من أدائه الحالي.
خيبة أمل.. تراجع ثقة
فقد عبر المواطنون عن خيبة أمل واضحة إزاء واقع الخدمات المصرفية، وتدهور أداء البنوك في مجالات التمويل الاجتماعي، ودعم المهنيين، والحرفيين، والمشروعات الصغيرة. كما وُجّهت انتقادات لاذعة للتشريعات الجامدة، والضمانات التعجيزية، وغياب المرونة التي تتطلبها مرحلة ما بعد الحرب.
ولم يتوقف الاستياء عند هذا الحد؛ بل أظهرت النتائج تراجعًا في الثقة بقدرة المصارف على احتضان الاقتصاد غير الرسمي، أو تشجيع الشباب والنساء على الإنتاج، في ظل فترات سداد غير مشجعة، وغياب محفزات حقيقية.
دعوة لإصلاحات شجاعة
ورغم هذا الواقع المثقل بالتحديات، فإن المشاركين أكدوا أن المصارف تملك المفتاح للمساهمة في التعافي الوطني، لكن ذلك لن يتحقق إلا عبر إصلاحات جذرية وشجاعة في السياسات والبيئة المالية، لإزالة المعوقات، وتمكين القطاع من قيادة الجهود التنموية، وتمويل الخدمات الأساسية، وتوسيع قاعدة الشمول المالي في السودان.
قدرات كامنة ولكن!
1/ عبر 77.4% من المشاركين عن تفاؤلهم الكبير وتعويلهم البالغ على القطاع المصرفي للاضطلاع بدور رئيسي في التنمية والإعمار خلال مرحلة ما بعد الحرب، في تعبير واضح عن ثقة مجتمعية في قدراته الكامنة. في المقابل، أبدت نسبة 18.3% تشاؤمها وعدم ثقتها في قدرة المصارف على أداء هذا الدور، بينما اكتفت نسبة 4.3% بالقول إنها لا تملك رأيًا واضحًا في المسألة.
2/ أبدى غالبية المشاركين (80.8%) استياءً بالغًا وعدم رضا عن الخدمات المصرفية الراهنة، واعتبروها غير كافية لتلبية احتياجات المواطنين. في حين عبّرت نسبة 16.3% فقط عن رضاها النسبي عن مستوى الخدمات المقدمة، بينما اختارت نسبة محدودة (2.9%) التحفظ وعدم الإدلاء برأي.
تجارب محبطة
3/عبرت أغلبية المشاركين بنسبة 60.7% عن إحباطها من تجارب المصارف السودانية السابقة في مجال التمويل الاجتماعي مثل التمويل الأصغر ومشاريع الأسر المنتجة، معتبرين أنها لم تحقق النجاح المطلوب. بينما رأت نسبة 30.8% أن تلك التجارب كانت ناجحة إلى حد ما ومحل رضا، واختارت 7.5% عدم إصدار حكم واضح.
4/ أشار 75.5% من المشاركين إلى أن جمود القوانين والتشريعات الحاكمة لعمل المصارف يُعد من أبرز أسباب التعثر في أدائها، خاصة في ظل المتغيرات السريعة بعد الحرب. بينما خالف هذا الرأي 14.2% عبّروا عن نظرة أقل تشاؤماً، وامتنعت 13.3% عن اتخاذ موقف واضح.
تعقيدات وفترات سداد غير كافية
5/ أبدت نسبة كبيرة بلغت 72.9% استياءها من تعقيد الضمانات المصرفية، ورأت أنها لا تساعد على تشجيع الحرفيين وأصحاب المشاريع الصغيرة على طلب التمويل. بينما اعتبرت 20% أن الضمانات ميسرة ومحفزة نسبيًا، وامتنعت 7.1% عن التعليق.
6/رأت 57.9% من المشاركين أن فترات السداد التي تتيحها المصارف غير ملائمة لطبيعة المشروعات الحرفية والصغيرة، ما يعكس حالة من الإحباط والرفض لسياسات السداد الحالية. بينما اعتبر 30% أن الفترات مناسبة إلى حدٍ ما، وعبّرت 12.1% عن ترددها أو عدم معرفتها بالحكم على هذا الجانب.
انقسام حول قدرة المصارف على تمويل الحرفيين
7/أبدى 71.3% من المشاركين عدم رضاهم التام عن قدرة المصارف على مواكبة المتغيرات الاقتصادية بعد الحرب، معتبرين أنها تفتقر للمرونة المطلوبة. في المقابل، عبرت نسبة 17.9% عن رؤية متفائلة نسبياً، واحتفظت 10.8% بموقف غير محدد.
8/ أظهر الاستطلاع انقساماً واضحاً في الآراء، حيث عبرت 50.4% من المشاركين عن ثقتها بقدرة المصارف على تمويل الحرفيين ضمن خطة وطنية للتعافي الاقتصادي، بينما أبدت 42.1% تشككها في ذلك، وفضلت 7.5% عدم اتخاذ موقف.
إفتقار للرؤية وغياب الحوافز
9/ أشارت غالبية المشاركين (60.6%) إلى أن المصارف تفتقر إلى رؤية واضحة ومتكاملة لتحويل الاقتصاد غير الرسمي إلى اقتصاد منظم، ما يعكس قلقًا واسعًا من ضعف المبادرات المؤسسية في هذا الاتجاه. بينما رأت 18.3% أن هناك محاولات إيجابية تستحق التقدير، في حين عبّرت 21.2% عن عدم وضوح الصورة لديها.
10/كشف الاستطلاع عن استياء كبير وسط المشاركين من غياب الحوافز، حيث أشار 85.4% إلى أن المصارف لا تقدم حوافز كافية أو مشجعة للشباب والنساء لدخول مشاريع إنتاجية. في المقابل، أبدى 9.2% نظرة إيجابية محدودة، وفضلت 5.4% عدم اتخاذ موقف واضح.
دون المأمول
11/عبّرت نسبة معتبرة من المشاركين (50.9%) عن إحباطها وعدم رضاها من أداء المصارف السودانية في تمويل القطاعات الإنتاجية الحيوية مثل الزراعة والصناعات الريفية، معتبرين أن دورها ما يزال دون المستوى المأمول. في المقابل، أبدت نسبة 33.9% نظرة إيجابية وتقديراً نسبياً للدور الذي تلعبه المصارف في هذا المجال، فيما احتفظ 9.2% بموقف محايد، مشيرين إلى عدم درايتهم الكافية.
12/أظهرت النتائج مؤشراً واضحاً على ضعف الثقة والتشاؤم، حيث رأى 80.4% (منهم 8.4% صراحةً و72% ضمنياً) أن بيئة التمويل المصرفي الحالية لا توفر الظروف الملائمة للابتكار أو تشجيع ريادة الأعمال. بينما عبرت نسبة متواضعة (12.5%) فقط عن تفاؤلها بقدرة المصارف على دعم الرياديين والمبتكرين. وفضلت نسبة 7.1% عدم الإدلاء برأي قاطع.
13/ارتفعت نبرة المطالبة الشعبية بالإصلاح والتغيير، حيث أبدت الغالبية الساحقة (92.5%) قناعة قوية بأن السياسات التمويلية الحالية تحتاج إلى إصلاحات جذرية وعميقة لتواكب متطلبات المرحلة القادمة بعد الحرب. في حين تمسك 5% فقط برأي مخالف، وعبّر 2.5% عن عدم وضوح الرؤية لديهم.
تفاؤل مشروط
14/عكس الاستطلاع مستوى عالٍ من التفاؤل والثقة، إذ رأى 85.4% من المشاركين أن للمصارف السودانية دوراً محورياً وواعداً في تمويل مشاريع التنمية الاقتصادية خلال مرحلة ما بعد الحرب. في المقابل، شكّك 8.8% في قدرتها على النهوض بهذا الدور، وأحجم 5.8% عن تبني موقف محدد.
15/ عبّرت نسبة 69.3% عن تقديرها لإمكانية أن تلعب المصارف دوراً فعالاً في تمويل قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والبنية التحتية، مما يعكس تفاؤلاً مشروطاً. بينما أبدت نسبة 22.8% تشاؤمها وعدم ثقتها في قدرة المصارف على أداء هذا الدور، فيما عبّر 7.1% عن عدم تأكدهم من الموقف.
معوّقات دعم الإقتصاد
16/ سادت مشاعر القلق والاستياء العام، حيث أشار 87.1% من المشاركين إلى وجود معوقات حقيقية وكبيرة تعيق قدرة المصارف على الإسهام الفاعل في دعم الاقتصاد وتمويل التنمية بعد الحرب. بينما أبدى 7.9% نظرة أكثر تفاؤلاً، وفضّلت نسبة 5% عدم تبني رأي واضح.
17/ أكدت الغالبية الكاسحة من المشاركين (92.9%) قناعتها الراسخة بضرورة إجراء إصلاحات شاملة وعاجلة في السياسات المالية والمصرفية، كشرط أساسي لتجاوز التحديات التي تعيق القطاع المصرفي. في المقابل، قللت نسبة محدودة (4%) من أهمية هذه الإصلاحات، وعبّر 3.1% عن عدم وضوح موقفهم.
أبرز المعوّقات
18/ فيما يلي السؤال المفتوح عن ماهي أبرز المعوقات التي تواجه المصارف السودانية حاليًا وتحد من دورها في التنمية الاقتصادية؟ أجمعت معظم الإجابات على أن المعوقات تتمثل في:
• جمود السياسات النقدية والمصرفية وقيود بنك السودان المركزي، خاصة في سقوف التمويل.
• ضعف رأس المال والودائع، وارتفاع الرسوم والجبايات المفروضة على التمويل.
• التعقيد في الضمانات المصرفية وضعف الحوافز.
• تردي البنية التحتية التكنولوجية وتأخر التحول الرقمي.
• محدودية الابتكار، وغياب الرؤية، والمحسوبية في منح التمويل.
• تأثيرات الحرب على البنية التحتية المالية والمصرفية.
• الحاجة لإصلاح شامل في القوانين والتشريعات والسياسات لدعم الشمول المالي وتمويل القطاعات الإنتاجية.