رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. جامعة السودان المفتوحة… حين تصبح الأزمة جسرا وتصير المعرفة موردا

| من سلسلة الجسر والمورد

باحث بمركز الخبراء للدراسات

✦ من الرماد تولد النجوم

الأمم العظيمة لا تنتظر هدايا التاريخ؛ بل تقتنص من قلب الرماد شرارة تُضيء دروبها. وفي السودان، حيث الأزمات أثقلتنا والأحلام تكاد تخبو، لاحت جامعة السودان المفتوحة… كمنارة تقول: حتى في زمن الانكسار، يمكن أن نصنع أفقا جديدا اسمه النهضة.

✦ جامعة بلا جدران… وعدٌ بالعدالة والمعرفة

منذ التجربة البريطانية عام ١٩٦٩م، غيّر التعليم المفتوح معادلة الزمن والمكان. لم يعد العلم حكرا على قاعات ولا امتيازا للمدن الكبرى؛ بل حقًا لكل من يطلبه.

وفي عام ٢٠٠٢م، دخل السودان هذا المضمار ليُقيم جامعةً تشبهه: جامعة تُعانق المخيم والهامش، وتُعيد المعلمين إلى مقاعد المعرفة، وتربط البحث بوجع الناس وأحلامهم.

هنا، لم تعد المعرفة ترفًا؛ بل موردا وطنيا لا ينضب.

✦ التحديات موارد متخفية

السودان الذي أنهكته الحروب، والفقر، وضعف البنية التكنولوجية، لم يجد في الجامعة المفتوحة عائقا، بل وجد موردا جديدا:

● النزوح تحوّل إلى فرصة لوصول التعليم إلى الخيام وأطراف البلاد.

● الأزمة الاقتصادية أثبتت أن أغلى ثرواتنا ليست في باطن الأرض، بل في عقول البشر.

● ضعف البنية الرقمية صار شرارة لتأسيس اقتصاد معرفي يقود المستقبل.

هكذا تتحول الجراح إلى جسور، والندرة إلى موارد.

✦ السؤال الذي لا ينتظر: لماذا الآن؟

قد يسأل قارئ مُندهش: لماذا نتحدث عن جامعة السودان المفتوحة الآن؟

الجواب: لأن هذه الجامعة هي القوة الصامتة التي غفلنا عنها، واللحظة التاريخية اليوم لا تحتمل الغفلة.

في زمن الانقسام… الجامعات جسور. وفي زمن العزلة… التعليم قوة ناعمة. وبالتالي فإن تجاهل الجامعة خسارة… والالتفات إليها فرصة تاريخية.

✦ مكاسب غير تقليدية عبر الجسر والمورد

ليست الفائدة هنا في الشهادات وحدها، بل في صناعة مكاسب غير تقليدية:

١. شبكة قادة شباب يحملون المعرفة كراية وكسلاح للتأثير محليًا وعالميًا.

٢. ريادة أعمال رقمية واجتماعية تنبثق من الهامش وتحوّل القرى والمخيمات إلى منصات ابتكار.

٣. أمن معرفي ورقمي يجعل السودان مستقلًا بفكره، مشاركا في صياغة المستقبل لا مجرد متلقٍ له.

بهذا، تصير الجامعة مختبرا وطنيا، ودبلوماسية تعليمية عابرة للحدود.

✦ تكامل لا تنافس

جنبًا إلى جنب مع جامعة إفريقيا العالمية، يمكن لجامعة السودان المفتوحة أن تُشكّل ثنائية نادرة:

الأولى تُجسّد التعليم المرن داخل الوطن وخارجه.

الثانية تُعبر بالقاعات والمعرفة الحدود والقارات.

إنها ثنائية الجسر والمورد: سودان يفتح أبوابه للآخرين، ويصدّر موردا لا ينضب اسمه: المعرفة.

✦ كيف نطبق ذلك عمليا؟

لتحويل هذه الرؤية إلى واقع، نحتاج إلى:

● منصة تسويق دولية باللغات الحية.

● شراكات تبادل أكاديمي مع جامعات مفتوحة رائدة.

● منصة ابتكار شبابي تعالج أزمات المجتمع بحلول تطبيقية.

✦ مبادرة دبلوماسية وفق رؤية الجسر والمورد

إن الدور هنا لا يتوقف عند إدارة الجامعة؛ بل يمتد إلى وزارة الخارجية والتعاون الدولي. فجامعة السودان المفتوحة يمكن أن تتحول إلى ذراع دبلوماسية تعليمية عبر:

● إدماجها في ملفات التعاون الثقافي والتعليمي مع الدول الإفريقية والعربية، بحيث تُقدَّم كورقة اعتماد سودانية تعكس صمود المجتمع وقدرته على الابتكار وسط الأزمات.

● تصميم برامج مشتركة مع وزارات التعليم في دول الجوار والقرن الإفريقي، تستوعب طلابا من مخيمات النزوح واللجوء، ليصبح السودان مركزًا إقليميًا للمعرفة بدلًا من أن يبقى متلقيًا للأزمات.

● الترويج للجامعة في المحافل الدولية (اليونسكو، الإيسيسكو، الاتحاد الإفريقي) كأنموذج سوداني يحوّل الحرب والنزوح إلى فرص تعليمية، وهو خطاب جاذب للرأي العام العالمي وصانعي القرار الدوليين.

هنا تصبح جامعة السودان المفتوحة سفيرًا متجددًا باسم السودان، وتتحول وزارة الخارجية من مجرد ناقل لأزمات الداخل إلى مُصدِّر لرؤية معرفية تعكس صورة إيجابية، وتبني ثقة جديدة مع العالم.

✦ أصل القضية،،،

جامعة السودان المفتوحة ليست مجرد قاعات افتراضية، بل مشروع وطني ودبلوماسي. إن أحسنا استثمارها، يمكن أن يتحول السودان من متلقٍ للمعونات إلى مصدرٍ للمعرفة، ومن رهينة للأزمات إلى صانعٍ للفرص.

إنها ليست فقط ابنة الأزمة… بل بذرة المستقبل.

ليست جامعة فحسب… بل منحة تُولد من رحم محنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى