
أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر… الشباب السوداني بين الواقع وفرصة التحول
| من سلسلة الجسر والمورد
> “إذا كذبنا على أنفسنا، فهل سنكذب على الله؟”
الشباب في السودان ليسوا مجرد فئة عمرية، بل هم روح الأمة ومحرك مستقبلها. لكن واقعهم اليوم يفرض عليهم سؤالاً قاسياً: هل نعيش لنحقق أحلامنا، أم نعيش لنؤمن لقمة العيش؟
التجربة السودانية الحديثة تثبت أن غالبية الشباب إما تهجر، باحثين عن فرص في الخارج، أو تضطر إلى تغيير مجالات تخصصها على مضض، ليستجيبوا فقط لضرورات الحياة وليس لشغفهم أو طموحهم. هذا ليس فشلاً فردياً، بل فشل منظومي: غياب بيئة وطنية حاضنة للكفاءات، وقصور في سياسات التنمية، وانتشار منطق الولاءات والمناطقية فوق معيار الكفاءة.
حين يسعى الشاب للإبداع، غالباً ما يجد نفسه أمام جدار تقييم ظالم: تقييم لا يقيم الموهبة ولا يقدّر الإنجاز، بل يُقاس وفق الولاءات والانتماءات الضيقة، وهو ما يجعل التغيير بمثابة ثورة ضد منظومة موروثة من محسوبيات تمنع التجديد.
التاريخ المعاصر للسودان ليس سوى مرآة لهذه المعاناة. فالشباب ظلوا محرومين من فرص حقيقية، ليس فقط بسبب الفقر أو البطالة، بل لأن هناك عزوفاً مؤسسياً عن تمكين الكفاءات. المجتمع نفسه، في كثير من لحظاته، يعشق التثبيط، ويقاوم التغيير. كما قال “جحا” : “الوباء لم يصل بيتي إذا أنا في أمان” — مقولة تلخص ثقافة حماية الذات على حساب المصلحة العامة.
١. تحليل استراتيجي: القيادة الموقفية والتقدير الموقفي
■القيادة الموقفية ليست مجرد مفهوم إداري، بل إطار فكري واستراتيجي يحدد قدرة الدولة على التفاعل مع التحديات الواقعية. وهي القدرة على قراءة المشهد الوطني بدقة، وتكييف أسلوب القيادة بما يتلاءم مع الظروف المتغيرة.
■التقدير الموقفي، بدوره، هو فن اتخاذ القرار الأمثل في اللحظة الحرجة، بناءً على فهم عميق للسياق، وليس على أسس جامدة أو مصالح ضيقة.
في سياق الشباب السوداني، القيادة الموقفية تعني:
●فهم الأزمة بعمق: إدراك أن مشكلة الشباب ليست مجرد بطالة، بل أزمة منظومة كاملة تشمل الحوكمة، التعليم، وسياسات التنمية.
●تكيف السياسات: صياغة برامج مرنة تستجيب لتغيرات الواقع وتوازن بين الحاجات قصيرة الأمد ورؤية التنمية طويلة الأمد.
●إشراك الشباب: ليس فقط كمتلقين للفرص، بل كقادة مشاركين في صناعة القرار وصياغة المستقبل.
●تقدير الأولويات: التمييز بين القضايا الملحة والابتكارية، لضمان توجيه الموارد بذكاء.
■ القيادة الموقفية والتقدير الموقفي هما مفتاحا تحويل الأزمة إلى فرصة، والطموح إلى واقع.
٢. الاستنتاج: الشباب هم الجسر والمورد
الإجابة على سؤال “هل نمنح شبابنا الفرصة؟” ليست مجرد رغبة سياسية، بل خيار استراتيجي لبقاء الدولة ونهضتها. الشباب هم الجسر الذي يربط الحاضر بالمستقبل، وهم المورد الأهم لإعادة البناء.
إن لم نبدأ اليوم، فإن السؤال سيظل مطروحاً للأجيال القادمة: هل كنا صادقين مع أنفسنا؟ وهل منحنا شبابنا حقهم في قيادة السودان نحو غد أفضل؟
٣. دعوة وطنية لتبني رؤية الجسر والمورد
> “الشباب هم الجسر والمورد، لكنهم أيضًا اختبار لقدرة قيادتنا على التقدير الموقفي وقيادة المواقف. إن لم نعترف بأن التغيير يتطلب قيادة مرنة وفهمًا عميقًا للواقع، فإننا سنظل نكرر فشل الماضي. القيادة الموقفية هي التي ستمكّننا من تحويل الطموح إلى إنجاز، ومن الأزمة إلى فرصة، ومن الإحباط إلى نهضة. لذا، فإن مسؤوليتنا اليوم هي أن نمنح شباب السودان ليس فقط الفرصة، بل القيادة نفسها.”
وفق أهداف المشروع الوطني لإعمار النسيج الاجتماعي ورؤية الجسر والمورد، ندعو إلى صياغة استراتيجية وطنية متكاملة، تضع الشباب في قلب العملية التنموية، وتربط بين التعليم، العمل، والابتكار، وتحوّل الطاقات الكامنة إلى قوة فاعلة لإعادة بناء الدولة.
٤. قصة الشاب أحمد صبري: نموذج شباب ملؤه إرادة وطنية
في فضاء التواصل الاجتماعي، وثّق الشاب/ أحمد صبري على فيسبوك عودة الخدمات إلى عموم أحياء ولاية الخرطوم، مجددًا دعوات العودة والبناء. لم تكن مجرد مشاركة عابرة، بل إعلانًا عن إرادة وطنية حقيقية، لاقت استحسانًا داخليًا وخارجيًا، لكنها واجهت أيضًا استهجانًا من قوى ترى في ذلك تهديدًا لمشاريع لتغيير الديموغرافي وهندسة التدمير الاجتماعي في السودان.
الأدهى أن كل ذلك يحدث في صمت من الحكومة والإعلام الرسمي، ما يفتح باب التساؤل:
> هل نحن أمام واقع يُصمّ آذاننا عن أصوات الفعل الوطني، أم أمام فرصة لإعادة تقييم أولويات الدولة؟
وفي عمود “أصل القضية”، نوجه كلمة للشاب / أحمد صبري:
> “دي بلدك، وأنت ما مشحوت عليها، أرمي قدام.”
هذه العبارة ليست مجرد تشجيع، أو شكر لأن الشباب ما ” ما شحوت ” على بلده ، بل نداء وطني لكل الشباب السوداني: أن يكونوا جزءًا من التحول، وأن يجعلوا من الإرادة الفردية جسرًا للمجتمع بأسره.
> “لنحوّل الشباب من ضحايا الواقع إلى قادة المستقبل، ومن أحلام معلقة إلى إنجازات ملموسة، لأنهم الجسر والمورد الحقيقي لأمة تستحق أن تنهض.
“* باحث بمركز الخبراء للدراسات