
أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر/ من ود الماجدي … إلى ولاية الخرطوم معنى أن تكون سودانيًا
“تخيّل كيف يكون الحال لو ما كنت سوداني؟”
سؤال ظل يطوف في الذاكرة، لكن بالأمس وجدت إجابته حيّة لا في الكتب ولا في خطب المنابر، بل في قلب الجزيرة… من ود الماجدي.
كنت – كغيري من أولياء الأمور – غارقًا في المقت والحنق على ولاية الخرطوم لما لاقاه أبناؤنا الممتحنون من بؤس ومعاناة حتى يصلوا إلى ولاية الجزيرة. غير أن المشهد تبدّل ما إن لامست أقدامنا تراب الجزيرة: هنا الإنسان السوداني يكشف عن معدنه الأصيل. استقبال يذيب تعب الأيام، ودفء إنساني يفوق الوصف، وكرم لا يُقاس إلا بميزان الفطرة السودانية في أنبل تجلياتها.
هذه الواقعة ليست حدثًا عابرًا، بل درسًا عميقًا لما بعد حرب الكرامة: إن الإنسان هو رأس المال الأصيل، وهو الركيزة التي ستقوم عليها حكومة الأمل المنتظرة. إن لم نلتفت لذلك المخزون الشعبوي الخلّاق، ونوظفه توظيفًا أمثل في إعادة بناء الدولة، فسنكون قد خسرنا أعظم ما نملك. فالسياسات لا تنجح بالقوانين وحدها، بل حين تعانق نبض الناس، وتترجم طاقاتهم إلى مشروع وطني جامع.
وهنا، أبعث همسة في أذن سكان ولاية الخرطوم:
هل أنتم فعلًا تعلمون أنكم سودانيون؟ وأن الخرطوم ليست ملكًا للنخب ولا للأحزاب، بل هي عاصمة السودان كله، مرآة هويته وبوابة مستقبله؟
إن الخرطوم – بقدر ما هي قلب الوطن – لا تنهض إلا إذا تماهت مع عافية أطرافه، واستوعبت أن رسالتها ليست في التفاخر بالمركز، بل في احتضان الجميع.
فلأهل ود الماجدي – ولأهل الجزيرة قاطبة – كل الشكر والعرفان. أنتم ألهمتمونا اليقين بأن السودان ما زال بخير، وأن الإنسان السوداني هو الجسر والمورد، إن أردنا حقًا أن نعبر إلى الغد.
“كان ما جيتا من زي ديل… وا أسفاي، وا مأساتي، وا ذلي.”
لكننا جئنا منهم، وسنبقى بهم، وننهض معهم.
وهنا الرسالة الأوضح لحكومة الأمل:
إن لم تُبنَ سياساتكم على معدن هذا الإنسان، وإن لم تجعلوا من الكرم والإيثار والتكافل قاعدة لإدارة الدولة، فلن تصمدوا أمام التحديات. فالفرصة ما زالت سانحة، وذات الفرصة لا تتكرر ا لم نغتنمها.
-باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية