
عز الكلام/ عبد الله بشير.. يوم شكر أيلا..
وحّد خبر رحيل محمد طاهر أيلا مشاعر السودانيين التي فاضت حزنا عفويا جعلتهم يكتبون حواشي على متن الرحيل العظيم، وتناول الساسة والعلماء وعامة الناس مآثر الفقيد ودوره الكبير في العمل العام منذ أن كان محافظا لسنكات مرورا بفترته الذهبية في قيادة ولاية البحر الأحمر التي وكأنه ملك عصا موسى فقام بأحالة الولاية وعاصمتها بورتسودان إلى جنة للشرق الذي ظل يشكو من التهميش والظلم في التنمية منذ عهد ما قبل الإستقلال، ما قدمه الراحل في البحر الأحمر كان جوازا للمرور لقيادة ولاية الجزيرة التي ترك فيها بصمات واضحة في الإدارة ومحاربة الفساد.. هذه النجاحات حملت القيادة في وقت ما لوضع الراحل أيلا في منصب رئاسة الوزراء، التي قبل تولي أعباءها في ظرف حرج قبل قيام ثورة ديسمبر.
هذا التفاعل الواسع مع خبر رحيل أيلا حمل ابعادا ودلالات لابد من الوقوف عندها.. فالرجل مثل نموذجا مفقودا في العمل السياسي والتنفيذي في البلاد، فهو رجل يعرف كيف يخطط وينجز في هدوء وينحاز للذين يحكمهم من خلال تقديم ما يحتاجون إليه من خدمات، واستطاع تلبية أشواقهم في إقامة صروح تنموية دون أن يخدعهم بالوعود والأمنيات.. فعل ما هو في مصلحة المواطن وإن صادم رؤية وفلسفة إطاره التنطيمي.
“أيلا حديد” شعار قابلت به جماهير الشرق واليها وملهمها الذي ظلت مخلصة له حتى بعد أن حملته رياح التغيير بعيدا عنها وعن وطنه، وبالمقابل لم تجود عليهم بمثله سماحة وفهما ورجاحة عقل ملك بها القلوب التي ليس من السهل ترويضها إلا بالتماس الصدق ووقوف من يقودها إلى صفها.
رحيل أيلا مثل للضمير الجمعي للسودانيين فاجعة، ولكنها تبقى فرصة للتدبر في حالنا وحالة التشتت والانقسام الحاد التي تعيشها بلادنا، والتي قادت إلى ان تواجه امة عظيمة في تاريخها ومكانتها، حربا لا يستحقها إنسانها.. هذا الإنسان ما يجب أن يلتفت إليه الساسة الذين يشعلون المعارك في غير معترك، اللهم إلا قصر النظر للواقع والإصرار على أن أفكارهم ورؤيتهم للواقع هي قطعيات ومسلمات يجب ان تفرض على واقع السودانيين، ولو ادى الأمر إلى إحالة حياة الناس إلى حرب لا هوادة فيها.. يفقد فيها الناس حياتهم ويهجرون في المنافي ويذوقون ذل النزوح..
ما هو المقابل الذي سيجده الناس من ساستهم مقابل الثمن الذي دفعوه غاليا؟؟..