رأي

عز الكلام/ عبد الله بشير.. اغتيال حكماء كردفان.. “العقل المدبر”

فقدت كردفان الغرة كوكبة من الحكماء والركائز الذين كان لهم دورهم المشهود في نشر السلم الأهلي.. استشهد هؤلاء النفر الكريم في حادثة قصف مُسيرة اجتماع للأدارة الأهلية بمنطقة المزروب أدت إلى مقتل ناظر قبيلة المجانين و16 من أهل الحل والعقد الذين بكتهم قرى وحلال شمال كردفان، وسارع عارفي فضلهم في نشر سيرتهم ومناقبهم.

يحدث ذلك في خضم الترويج لقرب التوصل لتسوية توقف الحرب اللعينة في بلادنا واقتراب فرصة التوصل إلى وقف لإطلاق النار.. والملاحظ أن الحرب بدأت تأخذ منحى جديدا بعيدا عن المواجهة المباشرة في ميادين القتال إلى استخدام الوسائل الجبانة في استهداف المدنيين والرموز بأبشع الصور.. تماما كما حدث ويحدث في ولايات دارفور والفاشر على وجه التحديد.. وتقف أحداث قصف المصلين في المساجد خلال صلاة الفجر وضرب الملاجئ التي يفر إليها المدنيون، شاهدة على نمط التفكير الإنتقامي لمليشيا الدعم السريع ومن يستخدمونها أو يشجعوها على الإستمرار في ذات النهج الذي يتوافق تماما مع أهدافهم..

جريمة مثل تعليق المواطنة قسمة بصورة مهينة ومؤلمة على شجرة وتعذيبها حتى الموت لم تحرك شعرة في ناشطي الميديا، الذين انطلقوا بعد دقائق من حادثة استشهاد ناظر المجانين ومن معه من الكرام ليوجهوا الاتهامات إلى الفلول ويخرجوا بمرثيات سكبوا فيها دموع التماسيح في محاولة صرف النظر عن الفاعل الحقيقي الذي يخطط ويرسم خطوات المليشيا المنهارة..

حادثة مقتل قيادات الأدارة الاهلية لا تتحمل وزرها المليشيا وحدها ولكن معها جيشا جرارا من أصحاب فكر السوء.. فضح أحدهم نفسه وجماعته عندما ذكر في معرض منشور له عن الحادثة في فيسبوك قائلا: “مشكلة المجانين أنهم اختاروا منتصف الطريق في معركة واضحة الخيارات..” وهذه عبارة تمثل غلافا فكريا يبرر ما تقوم به المليشيا.. هذا الفكر المسموم يرتكز على مقولة “من ليس معنا فهر ضدنا ” وبالتالي فهو محسوب في خانة العدو الداخل في خطة التصفية..

المعروف أن القبائل في حل عن الصراع السياسي في السودان، وإن انحازت قيادات لنظارات و”خشوم بيوت” للمليشيا فإنها مثلت خروجا عن الإجماع وكانت في حكم الشاذ.

لا ننس ان أنصار القوى التي تدعي المدنية والتي تمنى النفس بالعودة بعد إغلاق ملف الحرب “بكل بساطة” قد ناصبت الإدارات الأهلية العداء خلال حكمها، واعتبرتها مناصرا للفلول وعائقا امام طموحاتها في السلطة، هذه المعاداة وصلت لدرجة اشعال الفتن القبلية في دارفور وكسلا والنيل الأزرق وحتى البحر الأحمر..

التاريخ لا ينسى المواقف.. وإن كان الإيذاء في نشوة الامس بالتصريحات فإنه في سكرة اليوم بالمُسيرات.. رحم الله رجالا وحكماء ندر أن يجود الزمان بمثلهم، لم يتورع الفتّانون عن التبرير لقتلهم لأنهم حجرة عثرة في طريق التمكين لمشروعهم الحداثي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى