
أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. الشعب السوداني: من إدارة الأزمة إلى صناعة الوعي الوطني(٢-٢)
| من سلسلة الجسر والمورد
في الجزء الأول، وقفنا عند سؤال النهضة بين الهزيمة والابتكار، أما اليوم، فإننا ننتقل من السؤال إلى الفعل، ومن الفكرة إلى الوعي الوطني.
> “في اللحظات التي تبدو وكأنها النهاية، تبدأ الأمة بالتفكير.”
ليس أصعب من الحرب سوى ما بعدها.
فبعد أن يسكت صوت السلاح، يبدأ الامتحان الحقيقي — امتحان البقاء بعقلٍ راشد لا بانفعالٍ متعب.
وحين تهدأ البنادق، تخرج من تحت الرماد أسئلة كبرى:
■هل سنعيد إنتاج نفس الدولة التي سقطت؟
■أم سنبني وطنًا جديدًا بعقلية جديدة؟
لقد عاش السودان عقودًا وهو يُدير الأزمات، لا يحلّها.
يتعامل مع الجرح بالمسكّن لا بالعلاج.
لكنّ مرحلة ما بعد الحرب ليست لحظةَ إسعاف، بل لحظة إعادة تعريف.
إعادة تعريف الدولة، والمجتمع، والمورد، والإنسان.
فهنا بالضبط تبدأ فلسفة الجسر والمورد:
أن ننتقل من إدارة الأزمة إلى صناعة الوعي الوطني —
وعيٍ يُعيد هندسة العلاقة بين المواطن والدولة، بين المورد والعقل، بين القوة والإرادة.
في فكر تولستوي، الإصلاح يبدأ من الذات.
وفي فكر غرامشي، الوعي الجمعي هو الجبهة الأولى للتحرر.
أما في رؤية الجسر والمورد، فإن الإصلاح يبدأ حين تلتقي الذات الواعية بـ المجتمع المنتج لتصنع دولة راشدة.
السودان ما بعد الحرب يحتاج إلى “فكر تأسيسي” لا “خطط إسعافية”.
يحتاج إلى منظور استراتيجي يرى في الخراب بنيةً يمكن إعادة تشكيلها.
فليس المطلوب أن نُرمم الجدار، بل أن نعيد هندسة البيت.
صناعة الوعي الوطني تبدأ من ثلاث دوائر مترابطة:
١. الوعي بالذات: أن ندرك أننا لسنا شعبًا مكسورًا، بل شعبًا مُجرَّبًا.
وأن الانكسار لا يورث الهزيمة، بل الحكمة.
٢. الوعي بالمورد: أن نعيد تعريف الموارد كمنظومة تشمل الإنسان، والعقل، والموقع، لا فقط الذهب والنفط.
فالمورد الذي لا يُدار بالوعي يتحول إلى عبء،
والمورد الذي يُدار بالعقل يتحول إلى قوة ناعمة.
٣. الوعي بالآخر: أن نعرف كيف نتحاور دون أن نُفرط،
وكيف ننفتح دون أن نذوب،
وكيف نمدّ الجسر لا لنُساوم، بل لنُؤسس لشراكة متكافئة في محيط متغيّر.
لقد أنهكتنا الحرب، لكنها أيضًا طهّرت المشهد من الزيف.
ومن بين الركام، تتشكل نخبة جديدة:
جيلٌ لا يطلب الامتياز، بل يسعى إلى الإعمار.
جيلٌ يرى في المهنة رسالة، وفي التطوع عبادة، وفي العمل العام شرفًا لا غنيمة.
هؤلاء هم الذين سيحملون راية السودان الجديد —
سودان الوعي لا الوجع،
سودان الفكرة لا الفوضى،
سودان الجسر والمورد.
> “ما بعد الحرب ليس فصلًا من الحكاية، بل اختبار لمعنى الوطن.”
والمعنى الحقيقي للوطن لا يُكتب في الدساتير،
بل يُزرع في الضمير الجمعي حين يتفق الناس أن الوعي هو المورد الأول،
وأن الوطن الذي تعلّم من الألم، لا يُهزم مرة أخرى.
#أصل_القضية،،،
من “ماذا علينا أن نفعل” لتولستوي،
إلى “متى تُهزم الشعوب” لغرامشي،
إلى “كيف ينهض السودان” عبر الجسر والمورد —
يبقى الوعي هو السلاح،
والإنسان هو المورد،
والفكرة هي الجسر.
– باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية





