رأي

أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. الفاشر تكتب للسودان معنى البقاء والسيادة

| من سلسلة الجسر والمورد

في كتابه «السودان من أجل البقاء»، كتب جراهام ف. توماس عن وطنٍ يقف على تخوم التاريخ، يتنازعه الجغرافيا والموارد، وتختبره القوى الكبرى كما يُختبر المعدن في النار.

رآه الكاتب ساحةً للصراع، ومسرحًا للتجارب، وأرضًا تقف دوماً بين الحياة والانهيار.

لكنه – وإن قرأ السودان بعيون السياسة – لم يقرأه بعيون الدم.

لم يدرِ أن هذا البلد لا يُقاس بعواصمه، بل بقدرته على النهوض من رماده كل مرة، وأن البقاء عند السودانيين ليس غريزة… بل عقيدة.

من الخرطوم إلى الفاشر: الطريق إلى الوعي

منذ أبريل 2023م، كان السودان يخوض معركة ليست ككل المعارك.

سقطت الخرطوم فظنّ الواهمون أن المركز انكسر،

وسقطت مدني فظنّوا أن الجنوب الشرقي انطفأ،

وتهاوت سنار والجنينة ونيالا والضعين وزالنجي، فظنّ العالم أن الجغرافيا حُسمت، وأن البقاء مجرد زمنٍ يُعد بالعواصم.

لكن الفاشر كانت غير.

كانت آخر المدن، ولكنها أول السفر.

لم تسقط لتُعلن الهزيمة، بل لتوقظ الوعي.

لم تُحتل لتُطوى، بل لتفتح للسودان صفحة جديدة من سفر التاريخ، كتبها أهلها بدمهم، ووقعها الجيش والشعب معًا بشعارٍ صار عقيدة:

> “جيش واحد… شعب واحد.”

الفاشر… قيامة البقاء

ما يميز الفاشر ليس جغرافيتها وحدها، بل رمزيتها في الوجدان السوداني.

فهي المدينة التي لطالما كانت مرآة الغرب، وحدّ السيف بين الفوضى والكيان.

سقوطها لم يكن نهاية مرحلة، بل بداية لقيامة السودان التي ظللنا نؤكدها في هذا العمود:

> قيامة السودان ستبدأ من الفاشر.

وقد بدأت فعلاً.

فمن تحت الرماد خرجت كلمات الجيش وهي تعيد للسيادة معناها،

ومن فوق الركام علت صيحات الشعب وهو يعيد للوطن هيبته.

هناك، في شوارع الفاشر، كُتبت معادلة البقاء الجديدة:

أن الدم يمكن أن يروي الأرض لا ليخصبها فقط، بل ليطهّرها من الهوان.

السودان بعد الفاشر: من البقاء إلى السيادة

في منطق توماس، كان البقاء للسودان يعني الاستمرار رغم التحديات.

أما في منطق الجسر والمورد، فالبقاء اليوم هو أن يستعيد السودان وعيه وسيادته على كامل ترابه.

فالبقاء ليس أن نُحسب بين الدول، بل أن نُحسب بين الشعوب التي صنعت وجودها بإرادتها، لا بتوقيع أحد.

إنّ الفاشر لم تُسقطها الحرب، بل كشفت وعيًا جديدًا يولد من رحمها.

وعيٌ يرى في الجيش ليس سلاحًا فقط، بل جسرًا للسيادة.

ويرى في الشعب ليس جمهورًا، بل موردًا للكرامة الوطنية.

هكذا تتكامل الفكرة:

> الجسر هو الجيش الذي يحمي، والمورد هو الشعب الذي ينتج ويصون.

من الجراح إلى البناء

حين يُكتب التاريخ لاحقًا، سيقف عند هذه المحطة طويلاً:

كيف تحولت أفجع لحظات السقوط إلى أعظم فصول الصعود؟

كيف أعادت الفاشر تعريف معنى البقاء؟

وكيف وُلد من مأساة الحرب مشروع وطني جديد، يعيد للسودان مكانته بين الأمم؟

ستُروى الحكاية على هذا النحو:

أن شعبًا وجيشًا حملا أوجاعهما على أكتاف الوعي، ومضيا يبنيان من تحت الأنقاض وطنًا أكبر من الحرب وأطهر من الهزيمة.

#أصل_القضية :البقاء الذي يليق بالسودان

لقد كتب توماس عن «السودان من أجل البقاء»،

لكننا نكتب اليوم عن «السودان الذي يليق بالبقاء».

فالبقاء ليس غاية، بل وسيلة لنهضة جديدة تُبنى على الوعي والإنتاج والسيادة.

وها هو السودان، من الفاشر تحديدًا، يعلن أنه لا يعيش على الهامش،

بل يُعيد كتابة التاريخ على جسد الجغرافيا، بالدم لا بالحبر، بالكرامة لا بالانكسار.

> الفاشر لم تسقط… الفاشر أيقظت السودان.

*باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى