رأي

أصل القضية/ محمد أحمد ابوبكر.. السودان… بين وعي مطلوب وخراب مقصود

| من سلسلة الجسر والمورد

> هناك لحظات في عمر الأوطان لا تسمح بالرمادية.

لحظات ينكشف فيها كل شيء:
الرجال، والمواقف، والضمائر، والنيات.
والسودان اليوم يعيش هذه اللحظة.
ليس حربًا فحسب… بل اختبارًا شاملًا للوعي:
هل نفهم ما يجري؟
هل نميز الصديق من العدو؟
هل نعرف من يقاتل معنا… ومن يقاتل فينا؟

هذه ليست معركة حدود.
هذه معركة سردية:
من يكتب قصة السودان؟
ومن يحتكر المعنى؟
ومن يملك الجرأة ليقول الحقيقة كما هي… لا كما تُراد له أن يرددها؟

أصنام الداخل… النقد لأجل النقد

> ما كان أغرب من الحرب إلا بعض أهلها.

رأينا من يتعاملون مع مقال سياسي وكأنه “لوح مقدس”، ثم تحولوا كعادتهم إلى قضاة على نيات الدولة ورموزها، لا حبًا في الوطن… بل حبًا في الضجيج.

وهؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا يصرخون بالأمس القريب ضد “الأصنام”، بينما أصنامهم الحقيقية تسكن داخلهم:
أصنام الأيديولوجيا، أصنام الكراهية، أصنام المصالح، وأكبرها صنم الأنا.

بعض الناس خُلِق لينتقد… لا ليبني.
يبحث عن ثغرة في جدار الوطن ليُثبت أنه “أذكى من الجميع”.
هؤلاء ليسوا حُماة وعي… هؤلاء حُماة ضجيج.

واجب الوطن الآن: واجب… وأوجب

فلنقف لحظة.
السودان يعيش حربًا وجودية.
السودان يواجه أخطر لحظة في تاريخه الحديث.
والبلد في زمن انتقال طال حتى نسي الناس أنه انتقال.

في مثل هذا الظرف، يصبح الالتفاف حول القيادة العسكرية واجبًا وطنيًا وأمنيًا.
ليس لأن القادة معصومون… بل لأن الوطن يحتاج لعمود ثابت لا تهزه شهية النقد العبثي.

دعونا نقولها بلا مواربة أو تنميق:
> النقد الذي يهدم الثقة الآن… خيانة ناعمة.
خيانة لا تختلف في أثرها عن خيانة الدعم السريع وتحالفاته من قحت وصمود وغيرهم.

> لأن نتيجتها واحدة: سودان بلا قيادة؛ في أخطر لحظة من عمره.

ومن يظن أنه “يقيم” أداء الدولة بنقده المنفلت، فهو في الحقيقة يقدّم خدمة مجانية لأعداء البلد.
الوعي ليس في كسر المؤسسات، بل في حمايتها حين تكون البلاد بين السقوط والنجاة.

الحقائق التي لا تمحوها الخطابات

نحن كمواطنين نرى ما لا يراه أصحاب الأبراج الفارغة :
أن البرهان وياسر العطا والكباشي حملوا أكفانهم، تركوا أهلهم، لم يهربوا، لم يطلبوا أمانًا خارج البلاد، بل عاشوا المأساة مع شعبهم… كجيش لا كسلطة.
هذه شهادة لا تحتاج إلى تنظير.
هذه وقائع..

سرديات تائهة… وأبطال من ورق

في غياب العقل، ظهر “المحللون الجدد”:
وجوه تتزاحم على الشاشات، تهتف، تتنبأ، تهاجم، تتصدر… بينما الوطن يحترق في الخلفية.

> الكل يريد الضوء. والسودان—للأسف—يحترق في الظل.

من منهم سأل السؤال الحقيقي:
أين السودان وسط هذا الصخب؟
أين الشعب؟
من يحميه؟
من يقوده؟
من يصوغ معناه؟

الجسر والمورد… المعنى الذي لم يفهموه بعد

رؤية الجسر والمورد لا تبحث عن بطل جديد، بل عن وعي جديد.
وعي يعرف أن السودان ليس تابعًا ولا هامشًا ولا ساحة صراع مجانية.
السودان مركز ثقل، ومفتاح توازن، ودولة قادرة—إن أرادت—على صناعة موقعها في البحر الأحمر والقرن الإفريقي والانضمام للمنظومات الكبرى.

لكن ذلك لن يحدث بوعي مكسور، ولا بنقد مراهق، ولا بنشطاء يظنون أن الدولة صفحة فيسبوك أو منصة على مواقع التواصل الإجتماعي.

#أصل_القضية … لكل من ينتقد لا لشيء إلا لأنه “يحب النقد”

هذه لحظة فاصلة.
إما أن نكون شعبًا يصنع وعيه…
أو شعبًا يُصنع وعيه في غرف مغلقة خارج الوطن.

النهوض لا يصنعه كلام.
ولا تصنعه مقالات سامة.
ولا يبنيه من يبحث عن بطولة على حساب وطنه.

النهوض يصنعه وعيٌ يعرف:
من عدوه…
ومن قائده…
ومن وطنه…
ولمن ينتمي.

السودان سيقوم.
وسيقوم بوعي…
لا بضجيج.

* باحث بمركز الخبراء للدراسات الإنمائية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى