
بابنوسة و”العلم القديم”.. عندما تتحول كيف إلى لماذا؟
عبد الله بشير
أهمّ العوام أمس أمر مدينة بابنوسة “سقطت.. ماسقطت”، كما اهمّ قبيلة قريش “المسلمة” أمر المرأة المخزومية “سرقت.. ما سرقت”، طرح زميلنا الصحفي عثمان فضل الله سؤالا تجاوز به جدل الكيف إلى حيرة الـ لماذا، فكتب: لماذا أصرّ البرهان على الإبقاء على قوات محاصَرة داخل فرقة عسكرية كان سقوطها حتمياً وفق كل المؤشرات الميدانية؟ ما الذي كسبه من وجود الجنود هناك رغم انعدام فرص الصمود؟..
وتبقى هذه التساؤلات مشروعة من أهل الإعلام على صفحات وسائل التواصل، لكن إجاباتها لا ينتظر أن تُقال أو يصدر بها تصريح رسمي، بل تقرأ من كل حصيف في إطار النظر إلى المشهد العام في الميدان وكذلك في لعبة السياسة وإعادة تشكل المواقف الإقليمية والدولية..
ما جري في بابنوسة ما كان خبرا يتصدر وكالات الأنباء، وإذا سألتموني لماذا، سأقول لكم لأن الرأي العام العالمي مازال مصدوما بما جرى في الفاشر من فظائع قامت بها مليشيا الدعم السريع، وفي ظني أن وكالات الأنباء أعادت النظر مرتين وثلاث في تفاصيل خبر مدينة سودانية لم تسمع بها من قبل تسمى “بابنوسة”، وأجزم أنها بحثت في متون الخبر لتستكشف التفاصيل: هل تم اطلاق النار على المرضى في مستشفيات ؟.. هل تم ملاحقة أي مدنيين فارين وتصفيتهم في الطريق قبل الاحتماء بمناطق سيطرة الجيش؟.. هل تم تعليق أم واطفالها الثلاثة في جذع شجرة بعد قتلهم؟.. هل أقام جنود المليشيا الأخاديد للرجال بما فيهم كبار السن ثم أطلقوا عليهم الرصاص دون رحمة؟.. هل وهل؟..
إذا لم تتوفر هذه العناصر الإنسانية في الخبر -كما يعلم عثمان فضل الله الذي هو أحد أفضل رجال الديسك الصحفي – فإن الخبر يصبح بلا قيمة لدى الوكلات.. أو ربما تتراجع قيمته إلى درجة أدنى..
وفي مقابل ذلك احتلت تصريحات البرهان صدارة أخبار السودان، رغم أن قائد الجيش لم يفصح عن موقف ميداني عسكري، ولم يعلن استهداف كاودا الحاضنة الجديدة لمرتزفة المليشيا إلى جانب قوات الحلو والتي هاجمت المدنيين في جنوب كردفان، لكنه عبر بروح رئيس مجلس السيادة واقترح تغيير علم السودان الحالي والرجوع لعلم الاستقلال “الذي صممته الحاجة السريرة مكي الصوفي”.. هذا التصريح أبرزته وكالات الانباء.. “وليس في الأمر عجب”.. فالخبر كانت له دلالاته و”رمزيته” لدى هذه الوكالات، لذلك قدمته على ما سواه من أخبار السودان ليقفز إلى الصدارة متجاوزا ما اعتبرته الغرف الإعلامية المصنوعة خبرا تسير بذكره “ركبان” وكالات الأنباء..
خلال الأسبوع الماضي حققت القوات المسلحة والقوات المساندة لها انتصارات متتالية في كافة جبهات كردفان، وانتقلت من خانة الدفاع إلى الهجوم المباغت الذي وثقته فيديوهات المقاتلين في للميدان.. رأينا عزيمة جبارة في أسود المشتركة الذين أحرقوا الكبرياء الزائف لجنود المليشيا قبل ان يشعلوا النار في مركباتهم.. وروحا جديدا لدى فوارس “الدراعة” حملتهم إلى تقديم ارواحهم فداء لكردفان..
أما أبطال الجيش يكفي أنهم يرسمون ملاحم المعركة برا وجوا.. سرا وجهرا..
أخيرا وقريبا من أخبار الميدان وغير بعيد عن ثنايا تصريح البرهان.. يحضر قرار مناوي بتشكيل قوات المقاومة الشعبية في دارفور.. وهذا فصل يحتاج شرح في سردية الكيف والـ لماذا..!!





