رأي

حربان في السودان

عبد الله بشير

المنتدى الذي استضافته الدوحة قبل يومين شهد جلسة مهمة بعنوان “السودان.. آفاق السلام ومستقبل الدولة”، وتم خلاله ممارسة عصف ذهني عالي المستوى في محاولة لفهم ما يجري تجاه بلادنا ومدى إمكانية إيجاد حلول للحرب.

جمعت الجلسة مسؤولين أمميين وأفارقة وسودانيين قدموا آراء صريحة سلطت الضوء على غياب الإرادة الدولية تجاه المأساة، وتناولت أسئلة جوهرية مثل كيفية وقف تدفق السلاح، ومن يملك القرار لإنهاء إحدى أكثر الحروب تعقيدا في المنطقة.

رؤية الحكومة خلال المنتدى التي قدمها وزير العدل عبدالله درف عبرت عن الإستياء من تعامل المجتمع الدولي مع أزمة السودان، والصمت المريب تجاه الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع.. هذا الصمت الذي شجع “المرتزقة” على المضي في ارتكاب مزيد من الجرائم والانتهاكات التي طالت المدنيين الأبرياء.

وبررت الأمم المتحدة لعجزها في حديث وكيلة الأمين العام روزماري ديكارلو، التي قالت أن المنظمة الدولية لا تحتاج إلى الظهور في مقدمة المشهد، لكنها تحتاج إلى أن تكون جزءا من الجهود القائمة. واعتبرت ان إمكانية نشر قوات حفظ سلام غير وارد حاليا لعدم وجود تفويض من مجلس الأمن.

موقف الإتحاد الإفريقي لم يكن بعيدا عن ما عبر عنه مسؤول الأمم المتحدة، فقد ذهب المفوض الإفريقي السفير بانكول أديوي إلى أن الإتحاد الإفريقي يفضل عدم الانخراط في صراع مفتوح بلا مسار سياسي واضح، مؤكدا أن العمل جارٍ مع الجامعة العربية والإيغاد والأمم المتحدة للدفع نحو عملية سياسية يقودها المدنيون.

حديث الباحث كاميرون هدسون كان لافتا خلال منتدى الدوحة بعد أن اعتبر إن في السودان حربين إثنين: الأولى بين طرفي القتال على الأرض، والثانية حرب نفوذ إقليمية تتصاعد للسيطرة على مستقبل البلاد، وهذا التحليل من هدسون يفسر تردد واشنطن في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد أطراف تشعل الحرب في السودان.

وأوضح هدسون أن الإدارة الأميركية تهتم بالحرب الثانية أكثر، لأنها تملك قدرة أكبر على التأثير فيها، وأضاف أن الإدارة الأميركية تركز حاليا على حلول قصيرة المدى، ولا تمتلك رؤية واضحة لمستقبل السودان.

رؤية هدسون للأسف واقعية، وتجعلنا لا نعول كثيرا على دور حاسم من الإدارة الأمريكية يوقف الحرب، (هناك فرق كبير بين التوصل إلى وقف إطلاق نار وبين إنشاء عملية سلام شاملة تشمل بناء الدولة وتحقيق المساءلة كما يشير الباحث الأمريكي).. من هذا الحديث هناك في تقديري تشابك في المدخل إلى الحل، فالأدارات داخل المؤسسات في واشنطن غير متفقة الرؤية حول معالجة الملف السوداني.. المستشارون حول ترامب منقادون لرؤية الرباعية “إعادة هندسة السودان” ، في حين تتحدث مراكز بحث ومسؤولون في الخارجية عن أهمية الضغط لوقف الانتهاكات وضرورة محاسبة الدعم السريع على جرائمها.

تأتي مناقشات منتدى الدوحة ومحاولة تشريح المواقف من حرب السودان، في وقت بدأت فيه هذه الحرب تأخذ أبعادا جديدا تتجاوز مفهوم صراع بين طرفين إلى واقع مأساوي معقد يتمدد ليشمل مناطق جديدة يدفع فيها المدنيون ثمن

صراع مجنون قتلا ونزوحا وتشريدا، كما يلاحظ أن الحرب أخذت طابع كسر العظم الاقتصادي للسودان، ويدلل على ذلك ما جرى خلال الأيام الفائتة من استهداف حقول البترول في هجليج ومحاولة السيطرة عليها وإشعال الصراع في ولايات كردفان المنتجة وتهجير أهلها منها.

المؤكد أن دعم الأطراف الخارجية للصراع يشجع على إطالة هذه الحرب وبالتالي ستتجاوز المأساة حدود النزاع المسلح إلى حرب نفوذ إقليمية تهدد وحدة السودان وبلدان المنطقة ككل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى