
أصل القضية/ محمد أحمد أبوبكر.. التفسير أداة لإستلاب الوعي
| من سلسلة الجسر والمورد
> «الناس لا تكره النجاح… لكنها تكره ما يذكّرها بعدم نجاحها»
ليست المشكلة في الفعل ذاته،
ولا في ردّ الفعل وحده،
بل في تلك المسافة الخفيّة بينهما…
مسافة اسمها: التفسير.
نحن لا نُجرَح لأن أحدهم قال،
ولا نغضب لأن آخر فعل،
بل لأننا فسّرنا القول والفعل على نحوٍ ما.
ولهذا، ليس فعلك هو ما يغيّر ردّة فعلي،
بل قراءتي لفعلك.
وهنا، تبدأ أصلُ القضية.
من الفعل إلى الاستلاب
في الوعي السوداني المعاصر،
تحوّل التفسير من أداة فهم
إلى أداة تحكّم،
ومن وسيلة للتعايش
إلى وقود للصدام.
ضربني أضربه…
شتمني أشتمه…
منطق آلي،
يُسقِط الإنسان من مقام الوعي
إلى ردّة الفعل الغريزية.
لكن الأخطر من ذلك
أن الاستلاب الداخلي للوعي
لم يأتِ فقط من الخارج،
بل من سوء تفسيرنا لبعضنا البعض.
فما أراه أنا خطأ،
قد يراه غيري صوابًا،
وما أفسّره خيانة،
قد يكون عند غيري اجتهادًا.
غير أنّنا نتناسَى حقيقةً فاصلة:
نحن جميعًا سودانيون،
لا يفضّل بعضنا بعضًا في أصل الانتماء،
ولا يملك أحدٌ صكّ الوطنية وحده.
هندسة الوعي… حين تُدار الخصومة
لعبة التفسير
هي إحدى أخطر أدوات هندسة الوعي.
بها يُصنَّف الناس،
وتُشيطن المواقف،
ويُلغى الآخر،
لا لأنه عدو،
بل لأنه مختلف.
ولهذا،
فقراء الأخلاق
ينتقون دائمًا الأسوأ من التأويل،
ويبحثون عن النيات لا الأفعال،
وعن الإدانة لا الفهم.
لماذا دائمًا
أنا على الحق
وغيري على الباطل؟
ألم نقرأ:
﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
هذه ليست آيةً للزينة،
بل منهج حياة.
حين تسوء الظنون
لماذا نسيء الظن بالآخر؟
لأن داخلنا شيء لم يُعالَج.
إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونه.
نحن لا نرى الناس كما هم،
بل كما نحن.
ولهذا،
نحتاج أن نسمع لبعضنا البعض،
لا لننتصر،
بل لنفهم.
الدم السوداني… سؤال لا يريد أحد الإجابة عنه
تأمّلوا بهدوء:
منذ ديسمبر ٢٠١٨م
وحتى اليوم،
كل الدماء التي سالت
هي دماء سودانية.
السؤال ليس انفعاليًا،
ولا اتهاميًا،
بل أخلاقيٌّ بامتياز:
لمَ أُريقت؟
ومن الذي أراقها؟
سؤال لا يُجاب عليه بالشعارات،
ولا بالتصنيفات،
بل بمراجعة طريقة فهمنا لبعضنا البعض.
مقام الوعي… لا مقام الغلبة
أن أخفض جناحي لأخي بقدر جهله بي.
هذا ليس ضعفًا،
بل مقام وعي.
فالنار لا تُطفأ بالنار،
بل بالماء.
﴿مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ…﴾
أين ذهبت الرحمة من قلوبنا؟
وكيف تحوّل الخلاف
إلى قطيعة،
والتنوع
إلى تهديد؟
السودان… ما الذي يجمعنا؟
فلول،
بعثيون،
شيوعيون،
ثوريون،
ديسمبريون…
ما الذي يجمع كل هؤلاء؟
السودان.
اختلافنا ليس في من نكون،
بل في كيف نراه
وكيف نريد له أن يكون.
لكن لماذا
ينشغل كل واحدٍ منا بغيره
ولا يُصلح نفسه؟
ليس هذا فشلًا،
بل أزمة أخلاقية صامتة:
أن لا نحتمل أن يكون غيرنا
أفضل،
أنجح،
أكثر استقرارًا،
أكثر طمأنينة.
وفق رؤية الجسر والمورد… ماذا نسمي هذا؟
وفق رؤية الجسر والمورد،
ما نعيشه ليس صراع هويات،
بل أزمة تفسير.
أزمة وعي
تُدار بالتأويل السيّئ،
وتُغذّى بالأنا،
وتُعمَّق بعدم الإصغاء.
سؤال الخدمات… وسؤال الناس
لماذا عادت الخدمات
ولم يعد الناس؟
هل كان السودان غائبًا
في ١٩ ديسمبر ٢٠٢٣م
و١٩ ديسمبر ٢٠٢٤م؟
ولماذا نحتفل في ١٩ ديسمبر ٢٠٢٥م؟
ليست هذه أسئلة تقريرية،
ولا استفهامية،
ولا تعجبية…
بل محاولة للفهم.
لماذا لا نقولها بصراحة:
نحن بحاجة لأن نسمع الآخر… حقًا.
تكلّم حتى أعرفك.
دعوا هؤلاء الشباب يتكلمون،
لنفهم ما يقولون،
ويفهمونا كما نحن.
هم إخواننا،
أبناؤنا،
امتدادنا.
ضبط كيمياء السودانيين
نحن في حاجة إلى
تنقية الوعي السوداني
من شوائب كثيرة:
الأنا،
الاستلاب الداخلي،
عدم قبول الآخر،
لا لأنه أسوأ،
بل أحيانًا
لأنه أنجح.
لو اطّلع كل إنسان على الغيب
لاختار ما هو فيه.
#أصل_القضية،،،
السودان لا يحتاج إلى مزيد من الصراخ،
بل إلى مسافة وعي
بين الفعل وردّة الفعل.
مسافة اسمها:
الفهم…
الرحمة…
والتفسير الأخلاقي.
فهنا فقط
يمكن للجسر أن يُبنى،
وللمورد أن يُدار،
وللوطن أن ينجو.
هذا… هو #أصل_القضية.









